أقول : وإقرار الذهبي بأنّ كثيرا من رواة التّابعين وتابعيّهم هم ممن تشيّع وكان من الرافضة ، يقتضي على أصول القوم تعديلهم لأولئك الرواة وحجّيتهم بمقتضى القاعدة والأصل الذي عدّلوا به الصحابة ، وهو كونهم نقلة الدّين وأنّه لو لا هم لما وصل إلينا ، إلّا أنّ القوم لم يعملوا بهذا الأصل في التّابعين وتابعيهم فى الرواة المذكورين ، ممّا يدلل على أن وجهة التعديل ليس ذلك الأصل المتقدّم وإنّما هو بيعة السقيفة.
ويلحظ في نهج الذهبي الدمشقي الذي هو من أئمّة الجرح والتعديل لدى أهل سنّة الجماعة والذي وصفه تلميذه ابن السبكي في الطبقات بالنصب ، بل إنّ غالب أئمّة الجرح والتعديل لديهم ممّن ينصب العداوة لآل البيت عليهمالسلام ـ كما يفوح من كلماتهم ـ : أنّه جعل حبّ أهل البيت عترة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وهو التشيّع كما يسمّيه ـ بدعة ، ولا يستغرب من جرأة القوم على القرآن والسنّة وجعلهم الفريضة العظيمة بدعة ، وسيأتي أنّهم جعلوا بغض أهل البيت سنّة وكلّما أشتد البغض أطلقوا عليه صلب في السنّة. وقد جرى على ذلك غالب أئمّة الجرح والتعديل لديهم.
ففي ترجمة إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي الجوزجاني قال ابن حجر في تهذيب التهذيب :
قال الخلال : إبراهيم جليل جدّا ، كان أحمد بن حنبل يكاتبه ويكرمه إكراما شديدا ... وقال ابن حبّان في الثقات : كان حروري المذهب ، ولم يكن بداعية ، وكان صلبا في السنّة ، حافظا للحديث ، إلّا أنّه من صلابته ربّما كان يتعدّى طوره. وقال ابن عدي : كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في الميل على علي. وقال السلمي عن الدارقطني بعد أن ذكر توثيقه : لكنّ فيه انحراف عن علي ، اجتمع على بابه أصحاب الحديث فأخرجت جارية له فرّوجة لتذبحها فلم تجد من يذبحها ، فقال : سبحان الله فرّوجة لا يوجد من يذبحها ، وعليّ يذبح في ضحوة نيفا وعشرين ألف مسلم. قلت : وكتابه في الضعفاء يوضح مقالته ، ورأيت في نسخة من كتاب ابن حبان حريزي المذهب وهو