فقد سلّطت الضوء هذه الآيات الشريفة على تعريف الضغينة بأنّها مرض في قلوب ثلّة ، ولا نجد في القرآن الكريم أنّ الله تعالى افترض المحبّة والمودّة ـ التي هي من أفعال القلب ـ ، ومن ثمّ تظهر على أفعال الجوارح إلّا في المحبّة لله تعالى وللرسول ولذي القربى ، فالضغينة المحرّمة لا تكون إلّا في موارد عصيان فريضة المحبّة والمودّة ؛ فالقرآن قد حرّم المودّة والمحبّة لآخرين في موارد أخرى ، كما في قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (١) ، وقد أطلق القرآن على موادّة من حادّ الله ورسوله أنّها موالاة في السورة نفسها في الآيات الكريمة التى تحكي عن طائفة ممّن هم حول النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ ...)(٢).
ولك أن تقول أطلق على الموالاة أنّها موادّة.
وهذا تعريف آخر يطلعنا ويوقفنا عليه القرآن الكريم وهو كون المودّة موالاة ، غاية الأمر أنّ المودّة ـ والتي هي موالاة ـ على نحوين :
منها : واجبة مفترضة ، وهي المحبّة والمودّة والموالاة لله ولرسوله ولذي القربى.
ومنها : محرّمة ، وهي المودّة والموالاة لمن حادّ وشاقق الله ورسوله.
كما أنّ الضغينة المحرّمة هي التي يؤتى بها وترتكب في موارد الفريضة الواجبة مخالفة ، فبتوسط آية المودّة في سورة الشورى وهذه الآيات من سورة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم والمجادلة يتبيّن أنّ المودّة والموالاة والنصرة هي لله ولرسوله ولذي القربى ـ علي وفاطمة وابناهما ـ ، وهو الإيمان الذي يكتبه الله تعالى في القلوب ، فالإيمان في القلب هو المودّة والموالاة لله ولرسوله ولذي القربى والمرض في القلوب هو العداوة والضغينة لله ولرسوله ولذي القربى.
__________________
(١). المجادلة / ٢٢.
(٢). المجادلة / ١٤.