ويتّضح من هذه الآيات : إنّ الإيمان يقابل المرض في القلوب ، وإنّ الّذين في قلوبهم مرض من أوائل عهد الإسلام ـ كما تشير إليه سورة المدّثر ـ أولئك لم يكتب في قلوبهم الإيمان من البدء وبقوا على تلك الصفة.
ومن ذلك يعلم أنّ من الهدى الذي نزّل الله تعالى ـ وكرهه جماعة وتابعهم جماعة أخرى طواعية للجماعة الأولى إسرارا بين الجماعتين ـ هو افتراض مودّة ذي القربى في آية المودّة كما أنّ ممّا نزّل الله تعالى من الهدى ـ والذي كرهه جماعة أيضا وأبطلوا العمل به ـ هو افتراض الخمس والفيء لذي القربى في سورة الأنفال والحشر ، ولا ريب أنّ أداء الخمس لذي القربى وتمكينهم من الفيء الذي افترضه الله لهم هو من أبرز مصاديق الموالاة والمودّة لذي القربى.
وقد مرّ بنا في ما تقدّم أنّ الّذين في قلوبهم مرض هم ثلّة نشأت في أوائل الدعوة وبداية الإسلام ، حيث ورد ذكرهم في سورة المدثّر وهي رابع سورة نزلت على النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم في مكّة في أوائل عهد البعثة الشريفة ، وقد جعلت سورة المدثّر الّذين في قلوبهم مرض فئة في قبال فئة الّذين آمنوا وفئة الّذين أوتوا الكتاب وفي مصافّ فئة رابعة هي فئة الّذين كفروا ، لكنّها ميّزتهم عنوانا واسما عن الذين كفروا وإن كانوا في موقف واحد بحسب الحقيقة والواقع لا بحسب الظاهر ؛ لأنّ الّذين في قلوبهم مرض يبطنون هذا المرض وهو الضغينة المحرّمة بحسب تعريف آيات سورة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم تلك الضغينة تجاه من أمر تعالى بمحبّتهم ومودّتهم وموالاتهم ، وهذه السور تلاحق هذه الفئة والثلّة التي نشأت في صفوف من أسلم في أوائل البعثة.
وتبيّن أن مخططهم مبني على الضغينة لذي القربى وكراهة ما نزّل الله في حقّهم من المودّة والموالاة والخمس والفيء ، كما تبيّن الآيات السابقة في سورة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وهي تتحدّث في وصف الّذين في قلوبهم مرض : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ* طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ* فَهَلْ