عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (١).
فهذه الآيات تنبأ عن ملحمة قرآنية عن هذه الثلّة والفئة ـ التي ترعرعت في أوائل البعثة ووصفتهم هذه السورة بأنّ وصفهم البارز هو الضغينة لمن أمر الله تعالى بمودّته وصلته وموالاته ـ وكراهة ما نزّل على رسوله من الهدى الذي منه مودّة وموالاة ذي القربى ، وتخصيص الخمس والفيء بهم أي بولايتهم ، وقد أطلقت اسم مرض القلب في قبال الإيمان المكتوب في القلب ـ حسب ما ورد في سورة المجادلة كما مرّ بنا ـ هذه الملحمة تولي هذه الفئة سدّة الحكم والتصرّف في الأمور العامّة للمسلمين ، وسيكون الطاغي على أفعال هذه الفئة ـ الّذين في قلوبهم مرض ـ عدّة أمور :
الأوّل : هو الفساد في الأرض ، وهو مخالفة الكتاب والسنّة في الأحكام والتشريعات ، ممّا يوجب استشراء الفساد في الأرض شيئا فشيئا حتّى ينتشر في بلاد المسلمين الظلم والفساد المالي والفساد الأخلاقي والحيف في القضاء والتلاعب في مقدّرات الحكم والسلطة ، وغيرها من وجوه الفساد في الأرض.
والثاني : قطع ما أمر الله به أن يوصل ، وهو معاداة من أمر الله بمودّتهم وموالاتهم وتمكينهم من حقّ الولاية لهم على الخمس والفيء ، وقد أنبأت آية أخرى من كتاب الله العزيز عن نفس هذه الملحمة المستقبلية لأوضاع المسلمين وهي (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢) ، حيث علل هذه في الآيات
__________________
(١). محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم / ٢٠ ـ ٢٣.
(٢). الحشر / ٦ و ٧.