عند رجوعه من تبوك ، وهم خمسة عشر تعاهدوا أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنّم العقبة بالليل ، وكان عمّار بن ياسر آخذا بالخطام على راحلته وحذيفة خلفها يسوقها ، فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح ، فالتفت فإذا قوم متلثّمون ، فقال : إليكم إليكم يا أعداء الله ، فهربوا.
والظاهر أنّهم لمّا اجتمعوا لذلك الغرض ، فقد طعنوا في نبوّته ونسبوه إلى الكذب والتصنع في ادّعاء الرسالة ، وذلك هو قول كلمة الكفر. وهذا القول اختيار الزجّاج».
فأمّا قوله : (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) ، فلقائل أن يقول : إنّهم أسلموا ، فكيف يليق بهم هذا الكلام؟! والجواب من وجهين :
الأوّل : المراد من الإسلام : الذي هو نقيض الحرب ؛ لأنّهم لمّا نافقوا ، فقد أظهروا الإسلام ، وجنحوا إليه ، فإذا جاهروا بالحرب ، وجب حربهم.
والثاني : أنّهم أظهروا الكفر بعد أن أظهروا الإسلام.
وأمّا قوله : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) ، المراد : إطباقهم على الفتك بالرسول ، والله تعالى أخبر الرسول عليهالسلام بذلك حتّى احترز عنهم ، ولم يصلوا إلى مقصودهم. ـ إلى أن قال في ذيل الآيات الثلاث التي تتلو الآية المزبورة ـ : اعلم أنّ هذه السورة أكثرها في شرح أحوال المنافقين ، ولا شكّ أنّهم أقسام وأصناف ، فلهذا السبب يذكرهم على التفصيل (١).
أقول : قد مرّ بنا في ما سبق أنّ سورة التوبة (البراءة) سمّيت : «الفاضحة».
فعن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عبّاس : سورة التوبة؟
فقال : التوبة؟! بل هي الفاضحة ، ما زالت تنزل : «ومنهم ...» حتّى ظننّا أن لن
__________________
(١). التفسير الكبير ـ للرازي ـ ١٦ / ١٣٦ ـ ١٣٨.