التفت إليّ فرآني وأنا جالس فعرف ، فرجع إليّ فقال : يا حذيفة! أنشدك الله أمن القوم أنا؟ قال : قلت : اللهمّ لا ، ولن أبرّئ أحدا بعدك ، قال : فرأيت عيني عمر جاءتا»(١).
وروى هذه الرواية ابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب بسنده (٢). وجواب حذيفة في هذه الرواية يتضمّن التعريض الشديد ، كما هو طافح من ألفاظه ؛ إذ ما معنى : «ولن أبرّئ أحدا بعدك»؟! فإنّ أيّ فرد من الناس إذا لم يكن من المنافقة أصحاب العقبة فلا معنى لامتناع حذيفة من الجواب ، والتعبير ب : «لن أبرّئ أحدا بعدك» يعطي : لن أبرئ أحدا من الجماعة الخاصّة التي هي أصحاب العقبة ؛ فالتعبير «أبرّئ» أي : أثبت له البراءة مع كونه متورّطا في عملية الاغتيال المدبّر في العقبة ؛ ولذلك قال بعد ذلك : «فرأيت عيني عمر جاءتا» أي : وقع في دهشة وهلع شديد ، وذلك لكون جواب حذيفة صريح بالتخلّص الذكي ؛ وهو لا يعني تبرئة صافية عن شوب التعريض بالنفي.
مضافا إلى أنّ الرجل الميت الذي كنّى عنه حذيفة ب : «فلان» لا بدّ أن يكون من رجالات الدولة البارزين ؛ حتّى سبّب حصول التساؤل لدى عمر عن حاله عند حذيفة ، وعن مدى معرفة حذيفة بجميع أصحاب العقبة ، وإلّا فكيف لا يعرف ـ و (الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (٣) ـ أنّه كان منهم أم لم يكن؟!! فلا بدّ وأن يكون مصبّ السؤال هو عن مدى معرفة حذيفة بتمام المجموعة.
ومثل هذا التساؤل قد يوحي ويقضي بتورّط السائل ؛ لأنّ البريء لا يحصل لديه الشكّ في كونه من مجموعة العقبة. والسبب في الشكّ بمعرفة حذيفة بالمجموعة هو أنّ وقت تنفيذ العملية في العقبة كان ليلا مظلما ، وكانت الجماعة ملثّمة ، وعند ما تصدّى لهم حذيفة وعمّار ورجعوا واختفوا في الناس ظنّوا وحسبوا أنّ حذيفة وعمّار لم يعرفوهم ،
__________________
(١). تاريخ مدينة دمشق ١٢ / ٢٧٦.
(٢). بغية الطلب في تاريخ حلب ٥ / ٢١٦٧.
(٣). القيامة / ١٤.