إلى أن قال : ـ وفي طيّ هذين التمثيلين تعريض بأمّي المؤمنين المذكورتين في أوّل السورة ، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بما كرهه ، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشدّه ؛ لما في التمثيل من ذكر الكفر ونحوه في التغليظ قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) ، وإشارة إلى أنّ من حقّهما أن تكونا في الإخلاص والكمال فيه كمثل هاتين المؤمنتين ـ أي : آسية ومريم ـ وأن لا تتّكلا على أنّهما زوجا رسول الله ؛ فإنّ ذلك الفضل لا ينفعهما إلّا مع كونهما مخلصتين. والتعريض بحفصة أرجح ؛ لأنّ امرأة لوط أفشت عليه كما أفشت حفصة على رسول الله ، وأسرار التنزيل ورموزه في كلّ باب بالغة من اللطف والخفاء حدّ أيدقّ عن تفطّن العالم ، ويزلّ عن تبصّره ...
إلى أن قال : ـ فإن قلت : ما كانت خيانتهما؟ قلت : نفاقهما وإبطانهما الكفر ، وتظاهرهما على الرسولين ؛ فامرأة نوح قالت لقومه : إنّه مجنون ، وامرأة لوط دلّت على ضيافته ، ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور ؛ لأنّه سمج في الطباع ، نقيصة عند كلّ أحد ، بخلاف الكفر ، فإنّ الكفّار لا يستسمجونه بل يستحسنونه ويسمّونه حقّا ، وعن ابن عبّاس (رض) : ما بغت امرأة نبيّ قط (١).
وقد ذكر الفخر الرازي هذا التساؤل بعينه ، وقرّر أنّ الخيانة هي : النفاق وإخفاء الكفر ، والتظاهر على الرسولين. وروى السيوطي في الدرّ ، قال :
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج (رض) في قوله : (فَخانَتاهُما) ، قال : كانتا كافرتين مخالفتين ، ولا ينبغي لامرأة نبيّ أن تفجر (٢).
ولا يخفى على الناظر في ذيل السورة مقدار شدّة اللحن من التمثيل بزوجتي
__________________
(١). الكشّاف ٤ / ٥٧١ ـ ٥٧٢.
(٢). الدرّ المنثور ٦ / ٢٤٥.