إلى أن قال : ـ فذكر ثلاثة أصناف للنساء : المرأة الكافرة التي لها وصلة بالرجل الصالح ، والمرأة الصالحة التي لها وصلة بالرجل الكافر ، والمرأة العزبة التي لا وصلة بينها وبين أحد ، فالأولى لا تنفعها وصلتها وسببها ، والثانية لا تضرّها وصلتها وسببها ، والثالثة لا يضرّها عدم الصلة شيئا.
ثمّ في هذه الأمثال من الأسرار البديعة ما يناسب سياق السورة ؛ فإنّها سيقت في ذكر أزواج النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم والتحذير من تظاهرهنّ عليه ، وأنّهن إن لم يطعن الله ورسوله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ويردن الدار الآخرة لم ينفعهن اتّصالهن برسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، كما لم ينفع امرأة نوح ولوط اتّصالهما بهما ، ولهذا ضرب لهما في هذه السورة مثل اتّصال النكاح دون القرابة. قال يحيى بن سلام : ضرب الله المثل الأوّل يحذّر عائشة وحفصة ، ثمّ ضرب لهما المثل الثاني يحرّضهما على التمسّك بالطاعة (١).
وقال : في التمثيل بامرأة نوح ولوط تحذير لها ـ أي عائشة ـ ولحفصة ممّا اعتمدتاه في حقّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، فتضمّنت هذه الأمثال التحذير لهنّ والتخويف والتحريض لهنّ على الطاعة والتوحيد ... وأسرار التنزيل فوق هذا وأجلّ منه ، ولا سيّما أسرار الأمثال التي لا يعقلها إلّا العالمون (٢).
وقال ابن كثير في ذيل السورة :
ثمّ قال تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ، أي : في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم ، إنّ ذلك لا يجدي عنهم شيئا ، ولا ينفعهم عند الله إن لم يكن
__________________
(١). الأمثال في القرآن ـ لابن قيّم الجوزية ـ ٥٤ ـ ٥٧.
(٢). الأمثال في القرآن : ٥٨.