الإيمان حاصلا في قلوبهم.
ثمّ ذكر المثل فقال : (امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ) ، أي : نبيّين رسولين عندهما في صحبتهما ليلا ونهارا ، يؤاكلانهما ويضاجعانهما ويعاشر انهما أشدّ العشرة والاختلاط ، (فَخانَتاهُما) أي : في الإيمان ، لم توافقاهما على الإيمان ولا صدّقتاهما في الرسالة ، فلم يجد ذلك كلّه شيئا ، ولا دفع عنهما محذورا ، ولهذا قال : (فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي : لكفرهما ، وقيل للمرأتين : (ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) ، وليس المراد بقوله : (فَخانَتاهُما) في فاحشة بل في الدين (١).
وقال الشوكاني ـ بعد ما حكى قول يحيى بن سلام ، المتقدّم في حكاية القرطبي ـ :
وما أحسن من قال : فإنّ ذكر امرأتي النبيّين بعد ذكر قصّتهما ـ أي عائشة وحفصة ـ ومظاهرتهما على رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يرشد أتمّ إرشاد ويلوّح أبلغ تلويح إلى أنّ المراد تخويفهما مع سائر أمّهات المؤمنين ، وبيان أنّهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله وخاتم رسله ، فإنّ ذلك لا يغني عنهما من الله شيئا (٢).
ثمّ ذكر حديث أنّ أفضل نساء أهل الجنّة : خديجة ، وفاطمة ، ومريم ، وآسية. وحكى في مجمع البيان عن مقاتل ، في ذيل السورة :
يقول الله سبحانه لعائشة وحفصة : لا تكونا بمنزلة امرأة نوح وامرأة لوط في المعصية(٣).
وغير ذلك من كلمات المفسّرين التي توضّح شدّة لحن الخطاب القرآني في هذه السورة الموجّه لحفصة وعائشة ، وأنّ غائلة تظاهرهما هي خيانة دينية ، ونفاق معادي
__________________
(١). تفسير ابن كثير ٤ / ٤١٩.
(٢). فتح القدير ـ للشوكاني ـ ٥ / ٢٥٦.
(٣). مجمع البيان ـ المجلّد ٥ / ٣١٩.