خطير ، ومكيدة عظيمة ، استدعت هذا التصعيد الشامل في النفير والتعبئة الإلهية في صدر السورة ، والتعريض بأقصى الحدّة في ذيل السورة.
ثمّ إنّ لفظ (ظَهِيرٌ) بمعنى العون والحماية يعطي أنّ المكيدة متّصلة بمسألة تتعلّق بالحياة الأمنية لوجود النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبضميمة كون سبب المكيدة هي أمر الخلافة بعدهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأمر أبي بكر وعمر الذي أفشته حفصة أو عائشة إلى الأخرى ـ كما مرّ ـ ومن ثمّ إلى أبويهما ـ كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك ـ.
وبلحاظ كون الحماية الإلهية المستنفرة بالغة القوّة يقتضي أنّ المكيدة لم يكن المتورّط فيها هاتين المرأتين بمفردهما بمجرّد حولهما وقوّتهما ، بل كان ذلك على اتّصال وارتباط بأطراف القضية ، ومن يعنيه شأن الحدث ، ومن له علاقة ماسّة بالخبر المفشى ؛ والذي قد تقدّم أنّ صدر السورة يعطي كون الخبر والحديث يحمل في طيّاته إنذارا وتحذيرا ، لا بشارة واستهلالا ، وإلّا لما اقتضت طبيعة الخبر تولّد المكيدة الخطيرة والتسبّب لذلك.
ولعظم الخطب في هذه الحادثة نرى الآيات الأخرى المتوسّطة في هذه السورة ، قد حملت الشدّة نفسها في الخطاب والتعريض ، ولم يحاول المفسّرون من أهل سنّة الجماعة الإلفات إليه ، وتغاضوا عن مدلوله ، وهي قوله تعالى : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) ، فإنّ ذكر هذه الصفات تعريض بفقدها فيهما.
قيل : المراد ب (مُسْلِماتٍ) : مطيعات ومنقادات لأمر الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقيل : مخلصات ؛ والمراد ب (مُؤْمِناتٍ) : أي : المعتقدات بحقيقة الإيمان ؛ والتعريض بهذا الوصف يماثل التعريض بما في ذيل السورة : (فَخانَتاهُما) بمعنى نافقتاهما وحاددتاهما في الدين.
وب (قانِتاتٍ) : المطيعات الخاضعات المتذلّلات لأمر الله تعالى ورسوله ؛ إذ القنوت هو لزوم الطاعة مع الخضوع ، وقد ذكر هذا في ذيل السورة في توصيف مريم بنت عمران ،