الاستدلال يعطي تفويض التشريع لهما وإمامتهما في الدين ـ كما أسموا الثلاثة أئمّة الدين ـ لا لصحبتهما للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والرواية عنه كراوين ، ولا كمجتهدين كبقية المجتهدين في الفتيا ، بل كإمامين يسنّان ويشرّعان في الدين ، ويحتذى بهما إلى يوم القيامة. فحجّية قولهما وفعلهما وسيرتهما ـ على ذلك ـ ليس من باب حجّية الإخبار كما في الرواة ، ولا من باب حجّية فتوى المفتي أو المجتهد غير الملزمة لبقية المجتهدين ، بل اجتهادهما ـ على ذلك ـ كاجتهاد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ الذي قالوا بتجويزه على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ اللازم اتّباعه على كلّ الأمّة ، المجتهدين منهم والعوّام.
ولذلك يستدلّ علماء العامّة كما قال التفتازاني وغيره : «وأمّا السنّة فقوله عليهالسلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» دخل في الخطاب عليّ رضى الله عنه فيكون مأمورا بالاقتداء ، ولا يؤمر الأفضل ولا المساوي بالاقتداء ، سيّما عند الشيعة» (١) مع أنّهم يختلفون في حجّية اجتهاد صحابي على صحابي آخر ، ولذلك يعدّونهما وعثمان أئمّة في الدين ، لا صحابة كبقية الصحابة.
وبعبارة أخرى : إنّ حيثية وجهة الصحبة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم غاية ما توجب ـ على تقدير عدم الموانع المضادّة ـ الشرف والفضيلة والرواية عنه ، وكذلك البيعة والشورى ـ على ما يقرّر في قول العامّة ـ غاية ما توجب : تولّي الأمر وولاية الأمور التنفيذية ، لا التفويض في التشريع ، ولا العصمة من الزلل والخطل ، ولا صلاحية السنّ في الدين سننا تخلد إلى يوم القيامة.
فهذا النمط من الدعوى في الشيخين ، أو في الثلاثة ، هو صياغة للإمامة بالنصّ ، ولكون الإمامة عهد من الله ورسوله ، فسيتبيّن أنّ العامّة ملجئون فطريا ، وباضطرار الحجّة المنطقية العقلية ، إلى تنظير الإمامة المنصوصة ، وإنّها عهد إلهي ونبويّ ، غاية الأمر أنّهم يطبّقونه على الثلاثة ، ومنضمّا إلى عليّ بن أبي طالب عليهالسلام كإمام رابع ، وبعضهم يضيف
__________________
وعمر ، وغير ذلك من الوقائع.
(١). شرح المقاصد ٥ / ٢٩٢.