الأحداث في مسار الأمّة ، وهاهنا الطرف الثاني الذي تتعرّض له الآيات بالمديح والثناء ، وبيان أنّه المؤهّل لولاية الأمر من قبله تعالى ؛ بقرينة تقريع الآيات للطرف الأوّل ، الذي تتوقّع استيلاءه على مقاليد الأمور ، وتذكر له العديد من الصفات ، مثل : حلاوة المقال مع عداوة القلب ، وخصامه الكثير ولجاجه ، وقساوته عند تولّيه الأمور بتغريب النتاج المدني البشري ، والإبادة للطبيعة البشرية.
وهاهنا الآيات لم تصف النسل البشري بصفة خاصّة ، ممّا يعطي أنّ التقريع للإبادة موردها الطبيعة البشرية من حيث هي محترمة كخلق لله تعالى ، بغضّ النظر عن الحرمة من جهة الإيمان أو الإسلام ، وهذا مؤشّر على موارد وقوع هذه الصفة المتنبأ بها في الآيات ، وقد مرّت الإشارة إلى هذا البحث في سابق.
والحاصل إنّ الطرف الثاني الذي تمدحه الآيات هو في مقابل الطرف الأوّل المذموم لتولّي الأمر. والممدوح هاهنا كما هو معروف من الروايات ولدى المفسّرين هو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ؛ إذ فدّى نفسه للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في ليلة المبيت على فراشه.
وفي السورة الثانية قال تعالى : (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ* طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ* فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (١).
هذه الآيات تشير إلى وقوع استيلاء على مقاليد الأمور من قبل فئة من المسلمين ، وهم : (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، وهذا العنوان قد أشار القرآن الكريم إلى وجوده بين صفوف المسلمين منذ بداية نشأة الإسلام ، كما في سورة «المدّثر» ، رابع سورة نزلت على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في مكّة في أوائل البعثة.
وهذا التقارن بين سورة المدّثر وسورة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم دالّ على أنّ هدف هذه الفئة
__________________
(١). محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم / ٢٠ ـ ٢٣.