إنّ مسألة الفتوحات طرحت تارة تمهيدا لعدالة الصحابة ودليلا لها كوجه تاريخي ـ وقد مرّ البحث عنه مبسوطا ـ وأخرى تمهيدا للوحدة الإسلامية بين المذاهب والفرق. وهنا نشرع ـ بعون الله الملك العلّام ـ في هذا البحث المهم وهو :
إنّ كثيرا من الضلالات ناشئة من العمى في البصيرة ، قال تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (١) وقال : (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) (٢). والعمى في البصيرة ينشأ من أسباب مختلفة ، تارة من ضحالة في العلم والفقه ، وأخرى من اتّباع الهوى والمصالح الدنيوية القصيرة المدى ، وإذا اجتمع السببان فالطامّة الدهياء بين العمى والازدواجية.
قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣).
هذه الآية الكريمة كما تعيّن مدار وحدة المسلمين فهي تنبّأ بملحمة خطيرة ، هي :
__________________
(١). الحجّ / ٤٦.
(٢). سورة الأنعام / ١٠٤.
(٣). آل عمران / ١٠٣ ـ ١٠٤.