أنّ الوحدة الإسلامية لم ولن تتمّ ولا تتحقّق في هذه الأمّة وتنال تلك السعادة في ظلّ الألفة الأخوية إلّا بالاعتصام ب «حبل الله» ، أي التمسّك بحبل الله ، فيكون هذا الحبل عاصما عن الفرقة ، وعن السقوط في الهاوية ، وعن الضياع في المتاهات ؛ فما هو «حبل الله» ، وما هو سرّ التعبير ب «الحبل»؟!
ل «حبل الله» ـ كما لكلّ حبل ـ طرفان ، طرف تستمسك به الأمّة ، وطرف آخر عند الله تعالى ، أي أنّ هذا الحبل شيء رابط بين البشرية والغيب ، وسبب متّصل بين الأرض والسماء ، فلا بدّ أن يكون قطب الوحدة ومركز الاتّحاد سبب موصل مطّلع على الغيب ؛ وهذا يعطي أنّ سفينة الوحدة والاتّحاد يجب أن ترسو على ما هو حقّ وحقيقة ، لا التوافق على الهوى والهوس.
وسياق الآية الثانية المتّصلة يصرّح بأنّ الوحدة يجب أن تكون على الخير والمعروف والاجتناب عن المنكر ، بحسب الواقع والحقيقة ، فلو حصلت وحدة على المنكر واجتناب المعروف ، لكانت هذه فرقة في منطق القرآن الكريم ؛ لأنّ الناس افترقوا وابتعدوا عن الحقّ.
وهذا يدلّ على أنّ الحقّ والمعروف له وجود وحقيقة في نفس الأمر ، اتّفقت كلمة الأمّة عليه أم لم تتّفق ، وليس الحقّ ناتجا ومتولّدا من اتّفاق الأمّة كي يقال : «كلّ ما اتّفقت الأمّة عليه فهو حقّ ، وكلّ ما لم تتّفق عليه فهو باطل».
ومن ثمّ كان الحسن والقبح في الأفعال ، والصفات ، والاعتقادات ذاتي ، تكويني ، عقلي ، حقيقي ؛ إذ ليس حسن الشيء بسبب رأي الأكثرية أو توافق الكلّ على مدحه ، ولا قبح الشيء بسبب رأي الأكثرية أو توافق الكلّ على ذمّه ، بل الحسن والمدح والثناء ذاتي ؛ للكمال ، والقبح والذمّ والهجاء ذاتي ؛ للنقص ، ومن ذلك يعلم أنّ الثابت الديني ليس وليد الوفاق بل هو مرهون بالأدلّة والبراهين.
فإذا كان الحقّ ثابت في نفسه فيجب إقامة الوحدة على أساسه ، لا أن تقام الوحدة على أساس الباطل أو الحقّ الممزوج بالباطل ، فنقيم الاتّحاد ولو على النهج السقيفي أو