الأموي أو العبّاسي ، بل هذا اتّحاد على الغواية وتعاون على الإثم والعدوان ، ومن ثمّ لم يبال سيّد الشهداء عليهالسلام أن يشقّ عصا المسلمين المتآلفين على النهج اليزيدي ، وقال :
إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.
فالاصلاح والنصيحة للمسلمين ليس بإقرارهم على ما هم عليه من الفساد والغواية ، بل هو بأمرهم بالمعروف والحقيقة ونهيهم عن المنكر والباطل ، ودعوتهم للتعاون على السير على نهج الحقّ والصراط المستقيم.
وخذ مثالا لذلك : لو شاهدت مدمنا على المخدّرات وأردت أن تنصحه ، فإنّ نصيحته ليست بمدحه على فعله وتحسينه له ؛ فهو غشّ ودغل واحتيال ، بل نصيحته بتعليمه بسوء ما هو عليه وقبحه ، وإرشاده إلى الطريق السوي ..
وكما قام سيّد الشهداء بتفرقة الجماعة المتجمّعة على الباطل ، قام جدّه النبيّ المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم بتفرقة المجتمع المكّي القرشي ، الذي كان متّحدا على عبادة الأوثان ، وأرشدهم بالأسلوب التدريجي ، وبالحكمة والموعظة ، وبالتي هي أحسن ، والمداراة ، إلى طريق الصواب والهداية ، ولم تكن مداراته بمعنى ذوبانه في أرجاس الجاهلية ومداهنته لزيغهم وغيّهم ، نعم لا يكون العلاج إلّا تدريجيا وبتعقّل وتروّي وتؤدة.
ولك أن تعتبر بسيرة سيّد الشهداء عليهالسلام ، فإنّه لمّا رأى العالم الإسلامي ساكت على تولّي يزيد بن معاوية للأمور وفاقا سكوتيا أخذ في توعية الناس في المدينة المنوّرة ، ثمّ في مكّة عدّة أشهر ، يلتقي بوفود المسلمين في العمرة وموسم الحجّ ويخطب فيهم ، إلى أن أثمرت جهوده عليهالسلام وبانت في مخالفة أهل العراق للسلطة الأموية ، فخالفوا وحدة الصفّ التي كانت في جانب يزيد ، وأخذ في توسيع القاعدة الشعبية المخالفة كي تصبح أكثرية ، ثمّ توجّه صوب العراق لإنجاز الإصلاح في الأمّة ، فلمّا رأى عودة أهل العراق عن مخالفة الصفّ اليزيدي واتّحادهم مع الوفاق الأموي ، لم يستسلم للوحدة على الباطل والغي حتّى استشهد إحياء لفريضة الإصلاح والأمر بالوحدة على المعروف والانتهاء عن المنكر.