يا هشام! ثمّ مدح القلّة فقال : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١) ، وقال : (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) (٢) ، وقال : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) (٣) ، وقال : (وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (٤) ، وقال : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥) ، وقال : (وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٦) ، وقال : (أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) (٧) .. الحديث (٨).
ولا يخفى أنّ الروايات في صدد بيان ضوابط وموازين البصيرة الحقّة وتمييزها عن الباطل ، لا في مقام ترك المسئولية تجاه الأكثرية والقيام بواجب هدايتهم وإرشادهم ، والعناية بأمورهم بالإصلاح وتقويم العوج وإزالة الفساد ، بل هي في مقام بيان أنّ الاعتداد بشأن موازين منطق التفكير التي هي موازين العلم والعقل والفطرة والسنّة غير المحرّفة لا يكون بالمنطق الأكثري بل بالقيم والمبادئ التي تتضمّن هذه الموازين.
روى في مستطرفات السرائر بسنده عن أبي الحسن موسى عليهالسلام ، قال :
قال لي : أبلغ خيرا وقل خيرا ولا تكوننّ إمّعة. قلت : وما الإمّعة؟ قال : لا تقل أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس ؛ إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يا أيّها الناس! إنّما هما نجدا : نجد الخير ، ونجد الشرّ ، فلا يكن نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير (٩).
والإمّعة : الذي لا رأي له ، فهو يتابع كلّ أحد على رأيه ، والذي يقول لكلّ أحد : أنا
__________________
(١). سبأ / ١٣.
(٢). ص / ٢٤.
(٣). غافر / ٢٨.
(٤). هود / ٤٠.
(٥). الأنعام / ٣٧ ؛ وتكرّرت هذه الآية في سور عديدة أخرى.
(٦). المائدة / ١٠٣.
(٧). يونس / ٦٠ ، سورة النمل / ٧٣.
(٨). الكافي ١ / ١٢ ضمن ح ١٢.
(٩). مستطرفات السرائر (ضمن السرائر) ٣ / ٥٩٥ ، الاختصاص : ٣٤٣ ، الأمالي ـ للشيخ المفيد ـ ٢١٠ ح ٤٧ ، بحار الأنوار ٢١ / ٦٢.