مذاهب الوهّابيّة والظاهرية والأباضية والتكفير والهجرة ، وهلمّ جرّا ؛ فكيف يرجى خلاص الأمّة وهم يتّبعون مذاهب فقهية واعتقادية هي في الأصل من وضع الأمويّين والعبّاسيّين ، أي فقه السلاطين واعتقاداتهم؟!
ففقهاؤهم قاطبة ـ إلّا ما شذّ وندر ـ يحرّمون الخروج على سلطان الجور ، بلغ ما بلغ غيّه وفساده وجوره ، ما لم يكن كفرا بواحا ، وإن كان وصوله إلى السلطة بالتغلّب والقهر والسيف ؛ فهل ترى للأمّة الإسلامية من خلاص ونصرة على عدوّها والحال أنّ على رقاب ورءوس المسلمين حكّاما خونة؟!
قال المزّي :
وقال أبو العبّاس ابن عقدة ـ وذكر المزّي السند إلى حسن بن زياد ، يقول : سمعت أبا حنيفة وسأله : من أفقه من رأيت؟ فقال : ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمّد. لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة! إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد ، فهيّئ له من مسائلك الصعاب. قال : فهيأت له أربعين مسألة.
ثمّ بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخل لأبي جعفر. فسلّمت ، وأذن لي ، فجلست. ثمّ التفت إلى جعفر فقال : يا أبا عبد الله! تعرف هذا؟ قال : نعم ، هذا أبو حنيفة. ثمّ أتبعها : قد أتانا (١). ثمّ قال : يا أبا حنيفة! هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله.
وابتدأت أسأله ، وكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ونحن نقول كذا وكذا ، فربّما تابعنا ، وربّما تابع أهل المدينة ، وربّما خالفنا جميعا ، حتّى أتيت على أربعين مسألة ما أحزم منها
__________________
(١). الظاهر أنّ المراد : تتلمذ عندنا ، كما ذكر ذلك المزّي أيضا في تهذيب الكمال : أنّ أبا حنيفة تتلمذ عندهعليهالسلام.