بينكم (١).
فقوله عليهالسلام : «فعقد بملّته طاعتهم ، وجمع على دعوته ألفتهم ... قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة ، وثلمتم حصن الله المضروب عليكم ...» إنّ منّة الله على جماعة ووحدة الأمّة هو بتوسّط ذلك الحبل ، حبل الطاعة ، وهو حبل الألفة ، وإنّ في مقابل الموالاة الأحزاب ، أيّ التفرّق والفرقة ؛ فلا نصرة لهم من الله تعالى وملائكته والمؤمنين ، كما أنّهعليهالسلام أخبر الأمّة بملحمة مستقبلية ، هي الملحمة القرآنية في آية الاعتصام ، أنّهم سيتفرّقون ويضعفون أمام الكفر وتكالب الأعداء وكثرة الحروب حتّى يقدّر الله تعالى النهاية ، ولعلّه إشارة إلى عصر الظهور.
ولا يخفى الاقتباس في تعبيره عليهالسلام بالحبل وإنّه الطاعة ؛ إذ تضمّن الإشارة إلى آية الاعتصام من الفرقة بحبل الله ، وأنّه طاعتهم وولايتهم. فلا يأمل ولا يحلم المسلمون بتحقّق الألفة والوحدة والقدرة لهم على أعدائهم من دون التمسّك بحبل الله ، المتمثّل بولاية وطاعة أهل بيت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنّ إنشاد الوحدة من دون ذلك ممتنع.
وهذا الإخبار من القرآن ومن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام إخبار إعجاز وتحدّ للمسلمين ؛ يعضد ذلك العقل والمشاهدة العيانية الاستقرائية لأوضاع المسلمين ...
أمّا العقل : فإنّ المسلمين إن لم يرجعوا في عقائدهم ، ومن ثمّ في أحكامهم وقوانينهم إلى مصدر واحد ، فكيف يتمّ لهم الاتّفاق في نظامهم السياسي والاجتماعي والمذهبي؟!
وأمّا المشاهدة العيانية الاستقرائية : فهي حاصلة بأنّ مذاهب العامّة لا تكاد تنحصر في عدد معيّن ، وحصرها في أربعة ما هو إلّا من فعل الخلافة العبّاسية في القرن الرابع الهجري ، وإلّا فمذاهب فقهائهم كثيرة كاثرة ، وهي لا تزال في تشعّب مذهبي ـ أي في أصول القواعد ـ وفقهي واعتقادي ، ولم يبق من الأربعة إلّا العدد فقط ، فهناك ـ الآن ـ
__________________
(١). نهج البلاغة : خطبة ١٩٢ ـ القاصعة.