وقد مرّ قوله تعالى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ).
هذا مضافا إلى آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (١).
وقوله تعالى : (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٢).
وقال تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ* كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) (٣).
ولا ريب في أنّ النهي عن منكر تبرّي منه ، والواجب في النهي عن المنكر أن يكون بنكرانه في القلب أوّلا وبالسعي في إزالته ثانيا ، كما أنّ الواجب في الأمر بالمعروف برضاه وحبّه في القلب أوّلا وبالسعي لإقامته ثانيا ، ومن أحبّ عمل قوم أشرك معهم ؛ قالصلىاللهعليهوآلهوسلم : «من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه ، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده» (٤).
فالتولّي للمعروف بالقلب والعمل فريضة ركنية ، والتبرّي من المنكر بالقلب والعمل فريضة ركنية ، ومن أعظم المعروف معرفة الحقّ ، ومن أعظم المنكر جحود الحقّ والإقرار بالباطل ؛ فظهر أنّ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائم على التولّي والتبرّي ..
ولا يخفى أنّ لتولّي المعروف والحقّ والأمر به ، وللتبرّي من الباطل والمنكر والنهي عنه ، درجات وأساليب ومقامات مشروحة في محالّها ، فليس النهي عن المنكر والتبرّي
__________________
(١). آل عمران / ١٠٤.
(٢). التوبة (براءة) / ٧١.
(٣). المائدة / ٧٨ ـ ٧٩.
(٤). وسائل الشيعة : أبواب الأمر والنهي ب ٢ ح ٥.