من الباطل يعني أسلوب الحدّة والشدّة بل قد يكون اللين والموعظة الحسنة أنفع وأنجع في إزالة الباطل والمنكر ، إلّا أنّ الخلط والتشويش يقع بين كيفية أسلوب اللين وبين استحسان المنكر واستنكار المعروف ، أو بين المداراة وبين الرضا بالباطل ، وكذلك بين مقام التعامل مع الطوائف الأخرى وبين مقام الحقيقة الدينية الواقعية وفي ما هو داخل الطائفة. وبعبارة أدقّ : الخلط في الموازنة بين المحافظة على حقائق الدين وبين تجنّب الفرقة في زمن الهدنة.
وقد مرّ موقف هارون عليهالسلام من ضلال بني إسرائيل وتبرّيه من زيغهم في حين عدم تفريطه بوحدتهم وأنّ ردعه عن منكرهم اقتصر فيه على ذلك لعدم قدرته على ما هو أشدّ درجة ، كذلك مرّ موقف سيّد الشهداء عليهالسلام من الانحراف في حين كان عليهالسلام يجعل مصير الأمّة والمسلمين من مسئوليّته ، وكذلك موقف سيّد الوصيّين في حروب الجمل وصفّين والنهروان ؛ فهو لم يعر أهمّية لما اقترح عليه جملة ممّن زعم الحرص على وحدة المسلمين من عدم قتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، إذ أنّه عليهالسلام ـ برواية الفريقين ـ مأمور من النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقاتل الفئات الثلاث ، وأنّه يقاتل على التأويل في الشريعة والقرآن كما قاتل صلىاللهعليهوآلهوسلم على تنزيله ، وأنّ القتال الثاني عين القتال الأوّل في الأهمّية والضرورة لبناء صرح الدين ، بل نشاهد عليّا عليهالسلام لم يقبل البيعة لنفسه ـ بعد قتل عمر ـ عند ما اشترط فيها الأخذ بسنّة الشيخين ، كما أنّه لم يشارك في حروبهم رغم أنّ بسيفه فتح الله على نبيّهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبه قام الإسلام في ربوعه أمّة وملّة ودولة.
كذلك موقف الصدّيقة البتول التي شهد القرآن بطهارتها وعصمتها ، ثالثة أصحاب الكساء ، التي احتجّ الله تعالى بشهادتها لصدق النبوّة على أهل الكتاب في واقعة المباهلة ، وروى الفريقان أنّها سيّدة نساء أهل الجنّة ؛ إذ قامت بالمعارضة الشديدة حتّى استنهضت الأنصار للانقلاب على حكم السقيفة ، مع أنّ الأوضاع بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كانت مضطربة حسب زعم أهل السقيفة ، وقد أعلن عليّ عليهالسلام بطلان مشروعية الحكم بامتناعه عن بيعتهم ، كما روى ذلك البخاري.