فهو عليهالسلام يفسّر الفرقة بمعنى اختلاف المسلمين عن الدين باختيار جملة منهم الخروج عن الإسلام واعتناق الكفر أو ديانة أخرى ..
وبيانه عليهالسلام هذا يفسّر قول هارون عليهالسلام : (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (١) ، أنّه بمعنى تفرّق بني إسرائيل عن دين النبيّ موسى عليهالسلام لو اصطدم هارون معهم بالسلاح أو قاطعهم بمفارقتهم والخروج عنهم ، وهذا يوجب شدّة تعصّبهم وارتدادهم عن دين موسى عليهالسلام ؛ إذ أنّ عبادتهم للعجل بتسويل السامري كانت بخداعه أنّ ذلك من شرع موسى عليهالسلام : (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) (٢).
أمّا السبّ ، فقد تقدّم افتراقه عن اللعن ؛ إذ هو الفحش من القول القذر الذي يمارسه حثالى وأسافل الناس ، قال تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٣) ، وهو يفترق عن ذكر حقائق الأمور والأحداث الواقعة في تاريخ المسلمين ، فالسبّ لا يرتبط بها ، وخلط العناوين مثار مغالطة.
قال عليّ عليهالسلام ـ وقد سمع قوما من أصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفّين ـ :
إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم ، كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبّكم : اللهمّ احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ، حتّى يعرف الحقّ من جهله ، ويرعوي عن الغي من لهج به (٤).
فتراه عليهالسلام في الوقت الذي ينهى عن السبّ ، يحثّ على وصف أعمالهم وذكر حالهم ، أي استعراض حقائق الأمور وما عليه أهل الباطل من رداءة العمل ورذيلة الحال ، وبيّنعليهالسلام الغاية من ذلك : «حتّى يعرف الحقّ من جهله» أي : ليتبيّن طريق الحقّ وأهله و
__________________
(١). طه / ٩٤.
(٢). طه / ٨٨.
(٣). الأنعام / ١٠٨.
(٤). نهج البلاغة : خطبة ٢٠٦.