طريق الباطل وأهله ، وتفيق الأجيال من رقدتها وسباتها ، وتبصر الحقّ والهدى ، ولا يصيبها العمى والهذيان ، «ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به» أي : ينقطع المسلمون السالكون طريق الغي والعدوان ، ولئلّا يدعون إلى ذلك الطريق الضال.
قال ابن أبي الحديد ـ في ذيل الخطبة في شرح النهج البلاغة ـ :
الذي كرهه عليهالسلام منهم أنّهم كانوا يشتمون أهل الشام ، ولم يكن يكره منهم لعنهم إيّاهم (١).
كما أنّه عليهالسلام يبيّن قواعد وضوابط الوحدة الإسلامية ، بقوله عليهالسلام :
اللهمّ احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ، حتّى يعرف الحقّ ...
فالقاعدة الأولى هي : حقن الدماء وسيادة الأمن بين طوائف المسلمين.
والقاعدة الثانية : إنّ إصلاح ذات البين بين طوائف المسلمين يجب أن يكون على مسير الهداية والحقيقة والابتعاد عن الضلال ، ولغاية معرفة الحقّ ورجوع صاحب الغي عن غيّه ورجوع صاحب العدوان عن اعتدائه وصاحب الدعوة الضالّة عن ترويجه للضلال.
وكلامه عليهالسلام طبق هدى الآية : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٢).
فقد دلّت الآية على أنّ إصلاح ذات البين ورفع اختلاف المسلمين ووحدتهم يجب أن يرسو على العدل والقسط والحقّ والهدى ، لا على الظلم وإغماط الحقّ ، وأنّ الإصلاح والوحدة يجب أن تكون على أساس الفيء والرجوع إلى أمر الله تعالى ، لا إلى الأهواء والميول والضلالات.
ثمّ إنّ في الآية الناهية عن سبّ الّذين يدعون من دون الله نكتة ظريفة ، وهي : أنّ علّة
__________________
(١). شرح نهج البلاغة ٢١ / ١١.
(٢). الحجرات / ٩.