النهي هي تمادي أهل الضلال في ضلالهم وغيّهم وابتعادهم عن سبيل الله ، ولم يعلل النهي بترك مباغضة المؤمنين لأهل الضلال والتبرّي من غيّهم ، ولو على مستوى القلب أو على مستوى السلوك الداخلي في ما بين المؤمنين ، كما أنّ مورد آية النهي عن السبّ هو صعيد التعامل مع أهل الضلال ، وصعيد دعوتهم للهداية.
وحيث اتّضح الفرق بين السبّ واللعن موضوعا ، فالمناسب الإشارة إلى حكم اللعن للظالمين والمعتدين ، فإنّه خلق إلهي ، استعرضه القرآن الكريم في ما يزيد على الثلاثين موردا في السور القرآنية (١) ، وكذلك هو خلق الأنبياء ، كما في قوله تعالى في آية المباهلة : (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (٢) ، وقوله تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (٣).
بل في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (٤) دعوة وندب إلى التبرّي من الكاتمين لحقائق الدين والشرائع ولهداية السماء بتوسّط اللعن هذا ، فضلا عن عشرات الموارد التي لعن فيها سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم أشخاصا بأسمائهم ، مثل لعنه أصحاب العقبة وأبي سفيان في سبعة مواطن (٥) ، ولعن رسول الله قاتل الحسين عليهالسلام ، كما رواه الفريقان (٦).
__________________
(١). البقرة / ٨٩ ، النساء / ٤٦ و ٤٧ و ٩٣ و ١١٨ ، المائدة / ١٣ و ٦٠ ، الأحزاب / ٦٤ ، وغيرها ؛ فلاحظ مادّة «ل ع ن» في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
(٢). آل عمران / ٦١.
(٣). المائدة / ٧٨.
(٤). البقرة / ١٥٩.
(٥). الخصال : ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ح ١٠٥.
(٦). تاريخ بغداد ٣ / ٢٩٠ ، أسد الغاية ٢ / ٢٢ ؛ ولاحظ ما رواه في الدرّ المنثور ٤ / ١٩١ من الروايات في ذيل الآية : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) ، وما رواه الخوارزمي في مقتل الحسين ١ / ١٧٦ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٩ ، وابن حجر في لسان الميزان ٥ / ٣٧٧ ، والسيوطي في ذيل اللآلئ : ٧٦.