القبول ليس بوصف العمل بالتقوى بل بوصف العامل بذلك ، والصفة لا تصدق إلّا مع تحقّقها في مجمل الأعمال وأركانها ، وهي العقائد الحقّة.
وكذا قوله تعالى : (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (١) ، فجعل تعالى أعمال إبليس كلّها هباء منثورا باستكباره على وليّ الله وعدم إطاعته لخليفة الله بتولّيه ، بل الملاحظ في واقعة إبليس ـ التي يستعرضها القرآن الكريم في سبع سور ـ أنّ كفره لم يكن شركا بالذات الإلهية ولا بالصفات ولا بالمعاد ولا بالنبوّة ، بل هو جحود لإمامة وخلافة آدم عليهالسلام ، فلم يقبل الله تعالى اعتقاد إبليس ، كما لم يقبل أعماله ، وأطلق عليه الكفر بدل التوحيد.
والسرّ في ذلك أنّ ذروة التوحيد وسنامه ومفتاحه وبابه هو التوحيد في الولاية ؛ فإنّ اليهود قائلون بالتوحيد في الذات والمعاد وهو توحيد الغاية ، وبالتوحيد في التشريع وهو النبوّة ، إلّا أنّهم كافرون بالتوحيد في الولاية ؛ إذ قالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) (٢) ، فإنّهم حجبوا الذات الإلهية عن التصرّف في النظام البشري ، وقالوا بأنّ البشر مختارين في نظامهم الاجتماعي السياسي ، وأنّ الحاكمية السياسية ليست لله تعالى.
وإنّك وإن أجهدت وأتعبت نفسك فلن تجد دينا ومذهبا يعتقد بحاكمية الله تعالى السياسية والتنفيذية كحاكميته تعالى في التشريع والقانون ، كما كان حال حكومة الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم وسيرته السياسية ، التي يستعرضها القرآن الكريم ؛ فإنّ الحاكم السياسي الأوّل في حكومته صلىاللهعليهوآلهوسلم كان هو الباري تعالى في المهمّات والمنعطفات في التدبير السياسي والعسكري والقضائي ، وقد اختفت حاكمية الله تعالى هذه في عهد الخلفاء الثلاثة ثمّ عاودت الظهور في عهد الأمير عليهالسلام ، فإنّ أئمّة أهل البيت عليهمالسلام محالّ مشيئة الله تعالى وإرادته ، فتصرّفاتهم منوطة بإرادته المتنزّلة عليهم.
__________________
(١). البقرة / ٣٤.
(٢). المائدة / ٦٤.