* أمّا الآيات
فنظير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (١). فإنّه تعالى قد نفى تبليغ الرسالة ـ من الأساس ـ مع عدم إبلاغ ولاية عليّ عليهالسلام للناس ، وهو يقتضي عدم الاعتداد بتوحيد الناس للذات الإلهية وبإقرارهم بالمعاد والنبوّة من دون ولاية عليّعليهالسلام ، أي أنّ التوحيد في جميع أبوابه وأركانه وحدة واحدة : توحيد الذات ، وتوحيد الغاية والخلوص ، وتوحيد التشريع ، وتوحيد الولاية.
ولازم الكفر والإشراك في مقام من مقامات التوحيد هو الكفر والإشراك الخفي المبطّن في بقية المقامات ، وذيل الآية صريح في ترتّب الكفر على ذلك في مقابل الإيمان ، لا ما يقابل ظاهر الإسلام ؛ إذ الظاهر مترتّب على الإقرار بالشهادتين لسانا.
ونظير قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٢). فإنّ الإكمال يستعمل في تحوّل الشيء في الأطوار النوعية من نوع إلى نوع ، والإتمام يستعمل في انضمام الأجزاء الخارجية بعضها إلى بعض ، ففي التعبير عناية فائقة في كون الدين لم يكتمل طوره النوعي التام إلّا بالولاية ، وأمّا النعمة الدنيوية فلا تتمّ أجزاءها إلّا بها أيضا ، وإن كان للأجزاء قوام مستقلّ ، كمن امتنع عن المحرّمات والفواحش فإنّه يتنعّم بالوقاية من مفاسدها الدنيوية ، وهذا ممّا يبيّن الاختلاف الماهوي بين الإسلام في ظاهر اللسان وبين الإيمان في مكنون القلب ومقام العمل وهو الإسلام بوجوده الحقيقي.
ثمّ إنّ في الآية تقييد رضا الربّ بكون الإسلام دينا بالولاية ، فالإسلام من توحيد الذات والتشريع (النبوّة) والمعاد وتوحيد الغاية معلّق رضا الربّ به بشرطية الولاية ،
__________________
(١). المائدة / ٦٧.
(٢). المائدة / ٣.