فضلا عن العمل بفرائض الفروع.
ونظير ذلك : ما في سورة الحمد (الفاتحة). فالمصلّي عند ما يقرّ لربّه في النصف الأوّل من السورة بالتوحيد في الذات (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، والصفات (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وفي الغاية والمعاد (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، وفي التشريع (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) في جميع الأمور في الحياة الفردية والاجتماعية ؛ فإنّه يعود في النصف الثاني من السورة ليطلب الهداية إلى الصراط المستقيم (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ).
فإنّ كلّ ما تقدّم من إقراره وتسليمه بالعقائد الحقّة لم يكفه حتّى يثمر ذلك في طيّه صراط التوحيد المستقيم ، وهو صراط ثلّة في هذه الأمّة ومجموعة موصوفة بثلاث صفات : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) أي منعم عليهم بنعمة خاصّة لهم دون سائر الأمّة وهي نعمة الاصطفاء والاجتباء ، كما في الاستعمال القرآني لاصطفاء الأنبياء والأوصياء.
وفي هذه الأمّة قد أنعم الباري تعالى على أهل البيت عليهمالسلام قربى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالتطهير الخاص بهم ، وأنّهم الّذين يمسّون ويصلون إلى الوجود الغيبي العلوي للقرآن في الكتاب المكنون في اللوح المحفوظ.
والصفة الثانية : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ، وهي العصمة العملية ، فلا يغضبون ربّهم قطّ. والصفة الثالثة : (وَلَا الضَّالِّينَ) ، وهي العصمة العلمية. فجعل الولاية لهؤلاء ثمرة لإقرار المصلّي بالتوحيد في المواطن الأربعة في النصف الأوّل من السورة.
ونظير ذلك قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى). فإنّه جعل مودّة واتّباع وتولّي قربى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عدل كلّ الرسالة المتضمّنة لتوحيد الذات والصفات والتشريع والغاية لبيان أنّ توحيد الولاية هو ثمرة التوحيد في سائر المقامات ، وهو الذروة والسنام ، وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام في وصفه للمسلمين بعد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أنّهم : «أخذوا بالشجرة وضيّعوا الثمرة» (١). وكذلك سائر الآيات الواردة في
__________________
(١). نهج البلاغة : الخطبة القاصعة.