وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا ، واحتجّوا بمتشابه القرآن ، فتأوّلوا بآرائهم ، واتّهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا ، يقتحمون في أغمار الشبهات ودياجير الظلمات بغير قبس نور من الكتاب ، ولا أثرة علم من مظانّ العلم ، بتحذير مثبطين زعموا أنّهم على الرشد من غيّهم ..
وإلى من يفزع خلف هذه الأمّة ، وقد درست أعلام الملّة ، ودانت الأمّة بالفرقة والاختلاف يكفّر بعضهم بعضا ، والله تعالى يقول : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) (١)؟! فمن الموثوق به على إبلاغ الحجّة وتأويل الحكمة ، إلّا أهل الكتاب وأبناء أئمّة الهدى ومصابيح الدجى؟! ...» (٢).
الحادية عشرة
إنّ جملة من أتباع الشيخين قد ذهبوا إلى وجود النصّ من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عليهما.
قال التفتازاني :
المبحث الرابع : الجمهور على انّه (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لم ينصّ على إمام، وقيل : نصّ على أبي بكر (رض) نصّا خفيّا ، وقيل : جليّا. وقالت الشيعة :
على عليّ (كرّم الله وجهه) خفيّا ، والإمامية منهم : جليّا أيضا (٣). انتهى.
وقال في شرح كلامه السابق :
ذهب جمهور أصحابنا والمعتزلة والخوارج إلى أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لم ينصّ على إمام بعده ، وقيل : نصّ على أبي بكر ؛ فقال الحسن البصري : نصّا خفيّا ، وهو تقديمه إيّاه في الصلاة ، وقال بعض أصحاب الحديث : نصّا جليّا» (٤).
__________________
(١). آل عمران / ١٠٥.
(٢). كشف الغمّة ٢ / ٩٨ ـ ٩٩ ، بحار الأنوار ٢٧ / ١٩٣ ح ٥٢.
(٣). شرح المقاصد ٥ / ٢٥٨.
(٤). شرح المقاصد ٥ / ٢٥٩.