والحجاز ، فكيف لا تطمع قريش في نصيب المستقبل لو قدّر وقوعه؟! فكانت سياستها على نمطين : المواجهة المعلنة ، والاختراق لصفوف المسلمين ؛ لكي يعضد كلّ نمط النمط الآخر.
والقرآن الكريم يشير إلى حصول الاختراق في صفوف المسلمين منذ أوائل البعثة النبوية، نجد ذلك في رابع سورة نزلت على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهي سورة المدّثر : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ)(١).
فهذا التقسيم القرآني فاضح لوجود فئة : (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) في أوساط المسلمين المؤمنين ، وهم ليسوا من الكفّار في العلن بل في باطنهم مرض ، وقد لاحق القرآن الكريم هذه الفئة وميّزها عن فئة المنافقين ؛ إذ أنّ أهل النفاق لم يكونوا قد احترفوا الخفاء والسرية التامّة والدهاء الذي كانت تعتمده فئة (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) في اختراق صفوف المسلمين ونظام الدين الجديد.
لاحق القرآن هذه الفئة إلى آخر حياة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأشار إلى شبكة اتّصالاتهم مع الأطراف الأخرى من الحزب القرشي والقبائل الأخرى واليهود والنصارى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ... فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) (٢).
وفي بدر : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) (٣).
وفي الخندق والأحزاب : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) (٤).
__________________
(١). المدّثر / ٣١.
(٢). المائدة / ٥١ ـ ٥٢.
(٣). الأنفال / ٤٩.
(٤). الأحزاب / ١٢.