وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) (١) دورهم في إعاقة سياسات الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ومسيرته.
ويشير إلى ذلك ما روي في شرح نهج البلاغة : «قال له قائل : يا أمير المؤمنين! أرأيت لو كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ترك ولدا ذكرا قد بلغ الحلم وآنس منه الرشد ، أكانت العرب تسلم إليه أمرها؟
قال : لا ، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت. إنّ العرب كرهت أمر محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيّامه حتّى قذفت زوجته ، ونفّرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها ، وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حيّا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته ، ولو لا أنّ قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرئاسة ، وسلّما إلى العزّ والإمرة ، لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا ، ولارتدّت في حافرتها وعاد تارحها جذعا ، وبازلها بكرا.
ثمّ فتح الله عليها الفتوح فأثرت بعد الفاقة ، وتموّلت بعد الجهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجا ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا ، وقالت : لو لا أنّه حقّ لما كان كذا.
ثمّ نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكّد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين ، فكنّا نحن ممّن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته حتّى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ، ومات كثير ممّن يعرف ونشأ كثير ممّن لا يعرف ، وما عسى أن يكون الولد لو كان؟!
إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقرّبني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة ، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت؟! وكذلك لم يكن يقرب ما قربت ، ثمّ لم يكن عند قريش والعرب سببا للحظوة والمنزلة ، بل للحرمان والجفوة.
__________________
(١). الأحزاب / ٦٠.