اللهمّ إنّك تعلم أنّي لم أرد الإمرة ولا علوّ الملك والرئاسة ، وإنّما أردت القيام بحدودك ، والأداء لشرعك ، ووضع الأمور في مواضعها ، وتوفير الحقوق على أهلها ، والمضي على منهاج نبيّك ، وإرشاد الضالّ إلى أنوار هدايتك» (١).
فهو عليهالسلام يشير إلى أنّ ما دعا قريش إلى البقاء على ظاهر الإسلام بعد موت النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم هو : أنّها لم تكن لتسود العرب ، فضلا عن العجم ، إلّا باسم نبوّة النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم ودينه المبعوث به ، وإلّا لأبت باقي القبائل عليها ذلك ، كما هو حال توزّع القدرة بين القبائل في الجاهلية ، وإلّا فقريش لم تكن تذعن بقلبها لبعثة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وما فضّله به الله تعالى من كرامة له عليها ، كالذي حصل لجميع الأنبياء من قبله مع قومهم ، أو نظير ما حصل لعيسى عليهالسلام مع قومه بني إسرائيل ؛ قال تعالى : (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ) (٢) ، و : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ ... فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) (٣).
ثمّ إنّه عليهالسلام بيّن عاملا ثانيا لانشداد قريش لدين النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم هو : غنائم الفتوح وما جلبته من ثراء ، وهو يبيّن نوايا أصحاب فتوح البلدان ، كما أنّه عليهالسلام يبيّن أنّ خطط فتوح البلدان كانت من تدبير النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأوامره وبشاراته في عدّة مواطن ، وتدبيره ورأيه هوعليهالسلام.
وأنّ أسباب الفتح ترجع إلى عوامل عدّة لا صلة لها بالخلفاء الثلاثة ، كيف والثلاثة لا عهد لهم بالحروب وإدارتها وتدبيرها؟! إذ لم يسبق لهم خوض يذكر في القتال إلّا ما في غزوة خيبر ؛ فقد ذكر المؤرّخون أنّ الأوّل والثاني انتدبهما النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لفتح الحصن ، كلّ منهما مع سرية ، فرجع كلّ منهما مع سريّته يجبّن الناس والناس يجبّنونه (٤).
__________________
(١). شرح نهج البلاغة ٢٠ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩ الحكم المنسوبة رقم ٤١٤.
(٢). المائدة / ١١٠.
(٣). آل عمران / ٤٩ ـ ٥٢.
(٤). المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧٣ ؛ وفي كنز العمّال ١٣ / ١٢٢ رقم ٣٦٣٨٨ : عن ابن أبي ليلى ، بعد سؤاله ـ