النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (١) ـ يعني : أولئك المؤمنين ـ وقال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ، ثمّ حلّاهم ووصفهم كيلا يطمع في اللحاق بهم إلّا من كان منهم ؛ فقال ـ في ما حلّاهم به ووصفهم ـ (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* ... أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٢).
وقال في صفتهم وحليتهم أيضا : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) (٣) ـ وذكر الآيتين ـ ، ثمّ أخبر أنّه اشترى من هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم (أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) ؛ قام رجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : أرأيتك يا نبيّ الله! الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتّى يقتل إلّا أنّه يقترف من هذه المحارم ، أشهيد هو؟
فأنزل الله عزوجل على رسوله : (التَّائِبُونَ) ـ من الذنوب ـ (الْعابِدُونَ) ـ الّذين لا يعبدون إلّا الله ولا يشركون به شيئا ـ (الْحامِدُونَ) ـ الّذين يحمدون الله على كلّ حال في الشدّة والرخاء ـ (السَّائِحُونَ) ـ وهم الصائمون ـ (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) ـ وهم الّذين يواظبون على الصلوات الخمس والحافظون لها والمحافظون عليها في ركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها ـ (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) ـ بعد ذلك والعاملون به ـ (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ـ والمنتهون عنه ـ (٤).
قال : فبشّر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنّة. ثمّ أخبر تبارك وتعالى أنّه لم يأمر بالقتال إلّا أصحاب هذه الشروط ؛ فقال عزوجل : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ ...) (٥) ، وإنّما أذن للمؤمنين الّذين قاموا بشرائط الإيمان التي وصفناها ، وذلك أنّه لا يكون مأذونا في القتال حتّى يكون مظلوما ، ولا يكون مظلوما حتّى يكون مؤمنا ، ولا يكون مؤمنا حتّى يكون قائما بشرائط الإيمان
__________________
(١). التحريم / ٨.
(٢). المؤمنون / ١ ـ ١١.
(٣). الفرقان / ٦٨.
(٤). التوبة / ١١٢.
(٥). الحجّ / ٣٩.