ابن أكثم القاضي ، فأحضرنا وقال : ...
ثمّ قال المأمون : يا إسحاق! أو ما علمت أنّ جماعة من أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا أشاد بذكر عليّ وبفضله ، وطوّق أعناقهم ولايته وإمامته ، وبيّن لهم أنّه خيرهم من بعده ، وأنّه لا يتمّ لهم طاعة الله إلّا بطاعته ، وكان في جميع ما فضّله به نصّ على أنّه وليّ الأمر بعده ، قالوا : إنّما ينطق النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن هواه ، وقد أضلّه حبّه ابن عمّه وأغواه. وأطنبوا في القول سرّا ؛ فأنزل الله المطّلع على السرائر : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (١)؟!
ثمّ قال : يا إسحاق! إنّ الناس لا يريدون الدين إنّما أرادوا الرئاسة ، وطلب ذلك أقوام فلم يقدروا عليه بالدنيا فطلبوا ذلك بالدين ، ولا حرص لهم عليه ، ولا رغبة لهم فيه ؛ أما تروي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يذاد قوم من أصحابي عن الحوض فأقول : يا ربّ أصحابي أصحابي. فيقال لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ورجعوا القهقرى؟!
الحديث الذي ذكره المأمون العبّاسي قد رواه البخاري ومسلم في صحيحهما في كتاب الفتن ، إضافة إلى العديد من الروايات الأخرى عن إحداث الصحابة في الدين وتبديلهم ، والحيلولة بينهم وبين الحوض.
وروى البخاري أيضا حول الفتوح حديثا بسنده عن هند بنت الحارث الرواسية ، قالت : «إنّ أمّ سلمة زوج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قالت : استيقظ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة فزعا يقول: سبحان الله! ما ذا أنزل الله من الخزائن؟! وما ذا أنزل من الفتن؟! من يوقظ صواحب الحجرات ـ يريد أزواجه ـ لكي يصلّين؟ ربّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» (٢).
وقال ابن حجر : «قال ابن بطال : في هذا الحديث : في الخزائن تنشأ عنه فتنة المال بأن يتنافس فيه فيقع القتال بسببه ، أو أن يبخل به فيمنع الحقّ ، أو يبطر صاحبه
__________________
(١). النجم / ١ ـ ٤.
(٢). صحيح البخاري : كتاب الفتن ـ ب ٥ : باب ظهور الفتن.