فمفاد الآية في الأصل يبيّن عصمة النبيّ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في تدبير حكومته ، وفي الموضوعات ; إذ أنّ صدرها : (وَإِذٰا جٰاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذٰاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لاٰ فَضْلُ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطٰانَ إِلاّٰ قَلِيلاً) (١).
ومورد الآية : : في ما يرتبط بالوضع الأمني للمسلمين من التهديدات المحدقة بهم ، وما يرتبط بالنظام العام ، سواء الجانب العسكري ، أو الاقتصادي ، أو السياسي.
والخطاب في الآية : إنّ تدبير الحالة الأمنية ومعالجتها إذا فُوِّض إلى الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وإلى أُولي الأمر لعلم الرسول وأُولو الأمر وجه التدبير الصالح لذلك.
ولم تعبّر الآية بالظنّ ، بل بالعلم ; وهذا يقضي باطّلاع الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وإحاطته بملابسات الظروف الخارجية والموضوعات ، ومن ثمّ يعصم نظام المسلمين عن اتّباع الشيطان بهداية وتدبير الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم).
فالتعليل في ذيل الآية شاهد على أنّ المراد من العلم هو معناه الحقيقي ، لا المجازي بمعنى الظنّ ، وإلاّ فالظنون تُخطئ وقد لا تصيب الواقع ; فيُتّبع سبيل الردى بدل الهدى.
مضافاً إلى أنّ من كان مصدره ومنبعه الظنّ فهو لا يحيط بكلّ الأُمور ، وبكلّ واردة وشاردة ، والحال أنّ الآية عامّة لكلّ الأُمور التي تعتور وتواجه النظام العام.
ونسق التعليل في الآية مماثل لنسق التعليل الوارد في سورة الحجرات ، التي صُدّرت بالنهي عن التقدّم بين يدي الله ورسوله ، ثمّ النهي عن إصابة قوم بجهالة من دون تبيّن ، ثمّ قال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّٰهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلٰكِنَّ اللّٰهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمٰانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيٰانَ أُولٰئِكَ هُمُ الرّٰاشِدُونَ * فَضْلاً مِنَ اللّٰهِ وَنِعْمَةً وَاللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢).
والآية هذه تتناغم وتتماثل مع الآية في سورة النساء : أنّ الهداية والرشد
__________________
(١) سورة النساء ٨٣ : ٤.
(٢) سورة الحجرات ٧ : ٤٩ و ٨.