فقد أشير في روايات أهل البيت (عليهم السلام) إلى أن التعبير القرآني هو بهذه الصورة إِذْ يَحْكُمٰانِ فِي الْحَرْثِ بنحو فعل المضارع لا بالماضي ، أي : لم يقع ويتحقّق حُكمين منهما فيقال : إذ حكما ، بل كانا يتناظران ويتفاوضان في مقدّمات القضاء والحكم ، فلم يصدر منهما حكم مختلف ; إذ لا اختلاف في حكم السماء.
كما أنّ التعبير في ذيل الآية هو وَكُنّٰا لِحُكْمِهِمْ شٰاهِدِينَ بصورة ضمير الجمع لا بضمير التثنية ، ممّا يدلّل على أنّ في مجلس القضاء كان هناك أُناس آخرون قد حكموا بخلاف حكم سليمان.
فمسرح الحدث في ما تستعرضه الآية في ظاهرها متوافق مع ما ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) من الإشارة إلى ألفاظ الآية من أنّ : الحكم في الحرث الذي نفشت فيه الغنم عند الأنبياء ـ في ما أُوحى إليهم ـ قبل داود هو أن يُقضى لصاحب الحرث برقاب الغنم ، إلاّ أنّ هذا الحكم كان قد قدّر الله تعالى نسخه ، وقدّر أن يُظهر لعلماء بني إسرائيل في ذلك المجلس أنّ وصيّ داود (ع) هو سليمان (ع) ، فأوحى الله تعالى لداود أن : اجمع ولدك ، فمَن قضى بهذه القضية فأصاب فهو وصيّك من بعدك. وكان تعالى قد أطلع داود بالنسخ ، كما أنّه تعالى أوحى إلى سليمان بالحكم الناسخ ، وهو : أنّ لصاحب الحرث ما خرج من بطون الغنم ، وهو خلاف الحكم المنسوخ الذي حكم به علماء بني إسرائيل في ذلك المجلس.
ففي الرواية عن الباقر والصادق (عليهما السلام) : ((إنّ داود قال لسليمان : فكيف لم تقضِ برقاب الغنم ، وقد قوّم ذلك علماء بني إسرائيل فكان ثمن الكرم قيمة الغنم؟!
فقال سليمان : إنّ الكرم لم يُجتثّ من أصله وإنّما أُكِل حمله ، وهو عائد في قابل))(١).
وقد جرت السنّة بعد سليمان بحكمه.
ويشير قوله تعالى : (وَلَمّٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنٰاهُ حُكْماً وَعِلْماً) إلى كلّ من : الحكم المنسوخ
__________________
(١) لاحظ : تفسير البرهان ، ونور الثقلين ، في ذيل الآية ٧٩ من سورة الأنبياء ; في ما أخرجاه من أُصول الكافي ، وغيره من الأحاديث.