المقرّب درجات من الطاعة الفائقة العالية ، ودقائق من الإخلاص ما لا يكلّف بها المتّقون الأبرار ، وذلك لعلوّ مقامات المقرّبين ودقّة محاسبتهم على خفايا السر وترك الأوْلى ، بل إنّ بين المقرّبين والأنبياء تفاوت في كيفية المحاسبة ، بحسب درجاتهم في الفضل ، واشتداد الكمال.
ولنتأمّل لذلك مثالا : فإنّ في المدرسة التعليمية يتوقّع المدير والمعلّم من أذكياء الطلاّب ونوابغهم ما لا يتوقّع من أوساطهم ; فإنّ الذكي النابغة إذا لم يأت في الامتحان بمعدّل فوق الامتياز بدون تعليل ، فإنّه يعاتب ويسائل ، مع عدم مساءلة ومحاسبة أوساط الطلاّب مع توفّرهم على معدّل متوسّط يحقّق أدنى المستوى الموجب لعدم الرسوب في الامتحان.
وليست تلك المفارقة إلاّ لأنّ الكامل ينبغي له الرقي في المعالي ، ومن ثمّ ورد عنه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : ((أعظم الناس بلاء الأنبياء ، ثمّ الأمثل فالأمثل من الناس)) (١).
وفي رواية أُخرى : ((ثمّ الصالحون ، ثمّ الأمثل فالأمثل من الناس)). وعلى هذا ; فسيرة الأنبياء لا تتخطّى الهدى والصواب ، غاية الأمر : الهداية على درجات ; كما يشير إليه قوله تعالى : (وَيَزِيدُ اللّٰهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) (٢).
وقال تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (٣)
و : (وَصَدَقَ اللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَمٰا زٰادَهُمْ إِلاّٰ إِيمٰاناً وَتَسْلِيماً) (٤)
و : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنىٰ وَزِيٰادَةٌ) (٥)
و :(لِيَجْزِيَهُمُ اللّٰهُ أَحْسَنَ مٰا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) (٦)
و :(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقٰانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) (٧)
__________________
(١) بحار الأنوار ١٢/ ٣٤٨.
(٢) سورة مريم ٧٦ : ١٩.
(٣) سورة طه ١١٤ : ٢٠.
(٤) سورة الأحزاب ٢٢ : ٣٣.
(٥) سورة يونس ٢٦ : ١٠.
(٦) سورة النور ٣٨ : ٢٤.
(٧)سورة الإسراء ١٠٩ : ١٧.