فهل يتخيل أُولئك أنّ إدراك مَن له شهود روحي ملكوتي بكلّ المعادلات القانونية الشرعية للنتيجة ، هو عن طريق حركة الفكر من المبادئ في مخزون الذاكرة إلى المجهول المطلوب كشفه؟!
فإنّ حركة الفكر هي للمحجوب ، مع أنّه من المقرّر في الحكمة : إنّ حركة الفكر ليست علّة فاعلية لإدراك النتيجة ، إنّما هي إعداد لاستعطاء الإلهام من عوالم الغيب الإلهي ، فالذي يكون على ارتباط دائم بالغيب كيف يُتصوّر احتياجه كغيره لحركة ذهنية إعدادية؟!
بل هو ملتحم روحاً مع تلك الأرواح الكلّيّة ، التي هي ألواح العلم الغيبي الإلهي.
* ثالثاً : إنّ موازين القضاء في جهة إصابتها للواقع وعدم إصابتها هي في المجال الموضوعي ، لا التشريع العام.
وحكمة تقرُّر العمل بها في الشريعة ما أُشير إليه في الحديث الشريف عنهم (عليهم السلام) : إنّ داود (ع) قال : يا ربّ! أرني الحقّ كما هو عندك ، حتّى أقضي به ، فقال : إنّك لا تطيق ذلك. فألحّ على ربّه حتّى فعل ، فجاء رجل يستعدي على رجل فقال : إنّ هذا أخذ مالي ، فأوحى الله إلى داود : إنّ هذا المستعدي قتل أبا هذا وأخذ ماله ، فأمر داود بالمستعدي فقتل وأخذ ماله ، فدفع إلى المستعدى عليه ، قال : فعجب الناس ، وتحدّثوا حتّى بلغ داود (ع) ، ودخل عليه من ذلك ما كره ، فدعا ربّه أن يرفع ذلك ، ففعل ، ثمّ أوحى الله إليه : أن احْكم بينهم بالبيّنات ، وأضفهم إلى اسمي يحلفون به)) (١).
فالحديث الشريف يبيّن الحكمة في ظاهر الحكم على طبق موازين الفقهاء ، من حفظ الحدود والنظم في علاقات الناس في ما بينهم ، فالظنّية في الميزان لا الظنّية في تعيين الميزان الظني المقرّر في الشرع ، وقد خلطوا بين الأمرين.
ثالث عشر : تشبّثهم بالحديث الشريف : ((العلماء ورثة الأنبياء)) ، وأنّ الاجتهاد لا بُدّ أن يكون موروثاً عنه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، كي يصحّ انطباق الحديث عليهم ، فيقضى بحكمه بالاجتهاد.
__________________
(١) وسائل الشيعة : أبواب كيفية الحكم ، باب ١ ح ٢.