والخبط واقع في نقاط :
* الأُولى : تفسيرهم العلماء ب ـ : المجتهدين ، مع أنّ معنى اللفظة ينطبق على الأوصياء ، الّذين اصطفوا للإمامة ، ويقومون مقام الأنبياء ..
وكذلك معنى الوراثة ; فإنّه ينطبق أيضاً على ما يعمّ الوراثة اللدنّية ، كما في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتٰابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا) (١).
* الثانية : لو فرض إرادة علماء العلم الاكتسابي ، فليس وراثتهم للأنبياء من ناحية قصور المجتهدين عن الوصول إلى اليقين ; كي يقال : إنّ قصورهم ورثوه من قصور الأنبياء ، والعياذ بالله تعالى ، بل من ناحية ما تركه الأنبياء من الأحاديث والسنن ، وأنّه مَن أخذ بها فقد أخذ بحظّ وافر ..
وبعبارة أُخرى : إنّ منظومة العمومات والخصوصات وأُصول القواعد وتفريعاتها تنتظم في منظومة ذات مدارج بترابط عضوي معادلي ، نظير : القواعد الرياضية والهندسية ; فإنّ قصور علماء الرياضيات والهندسة عن الإحاطة بتلك المنظومة وترامياتها واتّساع دوائرها وآفاق مداها لا يعني عدم إتقان تلك المنظومة ، المؤثّرة على كلّ سنن الطبيعة المادية ، وحلّ كلّ المجهولات ، كذلك الحال في منظومة الشريعة ; فإنّ قصور المجتهدين والفقهاء لا ينسحب على منظومة الشريعة ، التي أورثها الأنبياء (عليهم السلام).
ومن ذلك يظهر جملة فروق أُخرى بين مقام النبوّة والمجتهدين :
أوّلا : فإنّ النبوّة لا تدرك الأحكام بنحو الانتقال الفكري الذهني من قاعدة إلى أُخرى ، أو من أصل إلى تفريع ، كما يحدث لدى المجتهد ، بل النبوّة تحيط بكلّ تلك المنظومة على نسق واحد
ثانياً : وعلى ضوء الفرق السابق ; لا مجال للخطأ في العلم النبوي بالأحكام ، بخلاف المجتهد ; فمَن لا يحيط بالمنظومة لا يحيط بكلّ ما له ارتباط بحكم المسألة ، التي يسعى لاستنباط الحكم فيها ، ومن ثمّ لا يستيقن بالنتيجة والاستنتاج .
__________________
(١) سورة فاطر ٣٢ : ٣٥.