قريش وسياسة الاختراق
عندما بدأ نجم رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في البزوغ في أوائل البعثة ، وبدأت قريش في المواجهة والصدام مع الدعوة الجديدة ، احتملت قريش بل تشاءمت عبر الكهنة أن تكون هي الخاسرة ، وأنّه سيكون للنبيّ الهاشميّ قدرة استيلاء على قبائل العرب والبلدان ، وتدين لقدرته الأقوام ، فبدأت تخطّط للتغلغل والنفوذ في القدرة الجديدة ; كما تستولي على مقدّرات الأُمور ولا تفقد سيطرتها السابقة.
فاتّخذت أُسلوب حرب جديدة خفيّة اختراقيّة تسلّليّة عبر صفوف المسلمين ، موازية للحرب العلنيّة ، وقد أنبأ تعالى نبيّه بأنّ قريشاً حقّ القول عليها أنّ أكثرهم لن يؤمن بقلبه ; قال تعالى : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ .... لِتُنْذِرَ قَوْماً مٰا أُنْذِرَ آبٰاؤُهُمْ فَهُمْ غٰافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ) (١) ، أي : بقلوبهم وإن أقرّوا بلسانهم.
في حين أنّه تعالى كشف عن وجود مخطّطهم الجديد في رابع سورة نزلت على الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، وهي سورة المدثّر ـ كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك في أوائل حلقات هذا البحث ـ وهو قوله تعالى : (ومٰا جَعَلْنٰا أَصْحٰابَ النّٰارِ إِلاّٰ مَلاٰئِكَةً وَمٰا جَعَلْنٰا عِدَّتَهُمْ إِلاّٰ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ وَيَزْدٰادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمٰاناً وَلاٰ يَرْتٰابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكٰافِرُونَ مٰا ذٰا أَرٰادَ اللّٰهُ بِهٰذٰا مَثَلاً كَذٰلِكَ يُضِلُّ اللّٰهُ مَنْ يَشٰاءُ) (٢).
فذكر تعالى أنّ هناك في أوائل البعثة أربعة أصناف وطوائف : الّذين آمنوا ، والّذين أُوتوا الكتاب ، والّذين في قلوبهم مرض ، والكافرون.
وجعل الّذين في قلوبهم مرض في مصاف الكافرين ، وتعبير القرآن بأنّ في قلوبهم مرض أي يبطنون المرض ولا يظهرونه ، ومن ثمّ لم يندرجوا بحسب الظاهر
__________________
(١) سورة يس ١ : ٣٦ ـ ٧.
(٢) سورة المهدثر ٣١ : ٧٤.