المحسنون بأنّ رحمة الله قريب منهم وأنّ الله يحبهم وأنّ الله لمعهم معيّة خاصة عن معيّته القيوميّة على كل مخلوق (١) ، فالآية لم تكتف بوصف القسم الثالث بأنّهم تابعون للأولين السابقين ، بل ضيقت الدائرة إلى كون تبعيتهم بإحسان ، والإحسان والمحسن مقام فوق مقام العدل والعدالة.
وكذلك الحال في القسمين الأوّل والثاني ، فإنّه لم يبق على دائرته الوسيعة ، فضيق بحدود «السابقين» وهذه الدائرة لم تبق على حالها ، بل ضيقت إلى دائرة «أول السابقين» فلا بد ـ والحال هذه ـ من تمحيص وفهم دلالة الكلام ، ألا ترى في سورة المدثر ـ وهى رابع سورة نزلت على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في مكة ـ انّها تقسم الموجودين حينذاك إلى أربعة أقسام؛ هى «المؤمنون» و «أهل الكتاب» و «المشركون» و (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، فلو كان المراد هو من سبق بإظهار الإسلام من المهاجرين فأين هم الذين في قلوبهم مرض ويستترون بالاسلام عن إظهاره. فبكلّ ذلك ، مع ما ذكرنا من النقاط العامة يقع القاري على المراد في الآية الكريمة.
ثم إنّه لا يخفى على القارئ أن الآية هي من سورة التوبة وقد استعرضت السورة نماذج عديدة سيئة ممن عايش النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولقاه ، فمثلا فيها (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) (٢) فإنّها نزلت في غزوة تبوك وبعد الغزوة وفي طريق العودة دبّرت مؤامرة لاغتيال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على العقبة ، وقد تقدم نقل حديث حذيفة ـ الذي رواه مسلم في صفات المنافقين ـ في منافقي أهل العقبة وأنهم من الصحابة الخاصة.
ونموذج ثان تفصح عنه سورة التوبة : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) (٣). ومن البين أن السورة تشير
__________________
(١). النحل / ١٢٨ ، آل عمران / ١٣٤ ، المائدة / ١٣ ، الاعراف / ٥٦.
(٢). التوبة / ٧٤.
(٣). التوبة / ١٠١.