تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) (١).
فسورة التوبة متميزة من بين السور الاخرى في ملاحقة فلول اقسام المنافقين والذين في قلوبهم مرض ، إلى درجة نزول الأمر بجهاد المنافقين على حدّ جهاد الكفر سواء ، ومن ذلك يظهر ملاحقة القرآن الذين في قلوبهم مرض ، وهم ممّن احترف النفاق ومرد عليه ، من أوائل البعثة حتى أواخر نزول القرآن فى المدينة. وقد تقدمت رواية البخاري في صحيحه في الباب الواحد والعشرين من كتاب الفتن ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : «ان المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كانوا يومئذ يسرّون واليوم يجهرون!» (٢) فعلى من ينطبق ما يصفه حذيفة؟ ولما ذا كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متسترين وبعده خرجوا من تستّرهم واصبحوا هم الظاهرين وصار الجوّ العام على مشرعتهم؟!.
ولذلك سميت سورة التوبة «بالفاضحة» كما عن سعيد بن جبير ، قال : «قلت لابن عباس : سورة التوبة؟ فقال : التوبة؟ بل هى الفاضحة ، ما زالت تنزل «ومنهم ...» حتى ظننّا أن لا يبقى منّا أحد إلّا ذكر فيها». (٣) وسميت بذلك لأنّها فضحت المنافقين باظهار نفاقهم (٤) ، ومنهم أهل العقبة الذين همّوا بما لم ينالوا وقالوا كلمة الكفر ، وعرفهم حذيفة وعمار في الواقعة المعروفة في كتب السير والتفاسير. وتسمى «بالمبعثرة» ، فعن ابن عباس ، لانّها تبعثر عن أسرار المنافقين ، أى تبحث عنها. (٥) وتسمى «البحوث» ، فعن أبي أيوب الانصاري انّه سمّاها بذلك ، لانّها تتضمن ذكر المنافقين والبحث عن سرائرهم. (٦) وتسمى «بالحافرة» ، فعن الحسن ، لأنّها حفرت عن قلوب المنافقين ما كانوا
__________________
(١). الاحزاب / ٦٠ ـ ٦٢.
(٢). صحيح البخارى ٩ / ١٠٤ ح ٥٧.
(٣). در المنثور ٤ / ١٢٠.
(٤). مجمع البيان ٥ / ٥.
(٥). مجمع البيان ٥ / ٥.
(٦). مجمع البيان ٥ / ٦.