كشفت عن وجودها في صفوف المسلمين الأوائل ، وهذه السورة تنبئ عن غرض هذه الفئة من إسلامها منذ البدء ، إنّه تولّي الامور ، وعرّضت بتولّيهم للامور ومقدرات الحكم وإفسادهم في الأرض ، وسيرتهم على غير سيرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وسننه وتقطيعهم للرحم التي امروا بوصلها ، وان إسلامهم في بدء الدعوة ـ كما في سورة المدثر ـ هو لذلك الغرض ، لما اشتهر من الأنباء من الكهنة واليهود عن ظفر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالعرب والبلدان كما تشير إليه الآية عن اليهود قبل الاسلام (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ)(١).
كما أن سورة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم تكشف عن وجود ارتباط بين هذه الفئة (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وبين الكفار الذين كرهوا ما نزّل الله وإنّهم يعدونهم بطاعتهم في بعض الأمر والشئون الخطيرة ، ويحسبون أنّ الله ليس بكاشفهم ، فالسورة تكشف عن فئة منافقة أخفت نفاقها فغدت محترفة في الاختفاء (لَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (٢) ، في مقابل الفئة المؤمنة أهل الصدق ، كما تكشف عن فئة مرتدّة في الباطن عن الاسلام.
والحاصل أن سورة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم عند ما تشير إلى شرائط عنوان الصدق ، فإنّها أيضا تشير إلى تقسيم من كان مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّن صحبه ، لا التسوية بينهم وجعلهم في كفّة واحدة ، فهل إنّ من يقسّم الصحابة إلى فئات ـ كما قسّم القرآن الكريم ـ يؤمن بالكتاب كلّه أم من يبعض الإيمان فهو يؤمن ببعض آيات السورة دون بعضها الآخر ، مع إنّه لم يصب ذلك البعض أيضا؟! وكذا يشير إلى معنى الصدق قوله تعالى في سورة الاحزاب :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً* إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا* هُنالِكَ
__________________
(١). البقرة / ٨٩.
(٢). محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم / ٣٠.