فلا تغفل ، ويعضد ذلك أيضا التوصيف ب «الصدق» كما تقدّم.
أمّا الآية الثانية من الآيات الثلاث من هذه السورة : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١) ، فقد قيّدت الآية المديح بعدّة قيود ، فلم تكتف بتبوّؤ الدار ، بل قيّدته بالإيمان ، والمحبّة لمن هاجر إليهم ، والإيثار على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، وعدم الشحّ.
ومن البيّن ضيق الدائرة بلحاظ هذه القيود ؛ لأنّه يخرج المتبوّئ للدار المنافق ، أو من انضمّ إلى فئة الّذين في قلوبهم مرض ، أو من كان من أهل المدينة من الّذين مردوا على النفاق ـ كما في سورة التوبة ـ (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) (٢) ، أو غيرها من النماذج التي استعرضتها سور التوبة والأحزاب ومحمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم والبقرة والأنفال والمائدة ، وغيرها من السور المتعرّضة للفئات الطالحة التي صحبت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من ألوان المنافقين المختلفة. فلا الآية الثانية هذه من سورة الحشر مطلقة لكلّ مدنيّ أسلم ، ولا الآيات الأخرى الناصّة على أنّ بعض الفئات الطالحة السيّئة هي من أهل المدينة تبقي الإطلاق المتوهّم.
هذا ، مع أنّه قد ورد في كتب أصحابنا عن أهل البيت عليهمالسلام أنّ ذيل الآية (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قد نزلت في عليّ وفاطمة عليهماالسلام ، بل رووا ذلك أيضا عن رواة العامّة عن النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم (٣) ، نعم ، في بعض الروايات أنّ سيّد هذه الآية وأميرها عليّ عليهالسلام ، ممّا يدلّ على عموم المعنى ، ولا غرابة في ذلك بعد كون الآيات مختلفة نزولا ، فلعلّ صدرها في مورد وذيلها في آخر ، وكم له من
__________________
(١). الحشر / ٩.
(٢). التوبة / ١٠١.
(٣). الأمالي ـ للطوسي ـ ١٨٥ ح ٣٠٩ المجلس ٧ ، مجمع البيان ٩ / ٣٨٦ ، تفسير الصافي ٥ / ١٥٧ ، وانظر : شواهد التنزيل ٢ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ح ٩٧٠ و ٩٧١.