الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ* وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) (١)
ويتّضح أنّ هذه السورة كبقية السور القرآنية في تقسيم وتمييز من صحب النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم وكان في ركبه ، إلى صالح وطالح ، وإلى فئات متنوّعة ، ولكن ينبغي الالتفات إلى بقية آيات السورة ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ* وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ* إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢).
كما إنّ في الآيات ٤١ ـ ٤٤ من سورة الأنفال ـ والتي سبقت هذه الآيات ـ نبأ عظيم وإفصاح خطير ، هو أنّ من كان في ركب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في غزوة بدر وأثناء القتال كانوا على ثلاث فئات : فئة مؤمنة ثابتة ، وفئة منافقة ، وفئة الّذين في قلوبهم مرض ـ وهي الفئة التي أشارت إلى وجودها سورة المدّثّر المكّية ، رابع سورة نزلت في أوائل البعثة ، في صفوف المسلمين ـ وكان من الفئتين الأخيرتين ـ لمّا رأتا حشد مشركي قريش وبطرهم وخيلاءهم في غزوة بدر ـ أن قالتا عن الفئة الأولى بأنّها مغرورة بسبب دينهم وهو دين الإسلام ، فلم ينسبوا أنفسهم إلى الدين الإسلامي ، وإنّما جعلوا أنفسهم ـ بذلك ـ على دين المشركين!
والإفصاح هذا في هذه السورة عن معسكر جيش المسلمين الذي كان مع النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّه منقسم إلى ثلاث فئات ، يبطل كلّ الروايات التي يرويها العامّة حول قدسية
__________________
(١). الأنفال / ٧٤ ـ ٧٥.
(٢). الأنفال / ٤٥ ـ ٤٩.