البدريّين ، وأنّ الله قد غفر لهم وإن عملوا ما عملوا ـ فضلا عن كون ذلك مناقض للآيات والسور العديدة المشترطة للوفاء حتّى حلول الأجل والثبات على الإيمان والعمل الصالح ـ كما أنّه يبطل مقولة إنّ كلّ بدريّ أو أحدي فهو مؤمن وممدوح ومرضيّ حاله عند الله تعالى.
وفي الآيتين اللاحقتين المتّصلتين بالآيات التي أوردناها ، يقول تبارك وتعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ* ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١) وهو تهديد ووعيد لهم بالعقوبة المبتدأ بها عند الموت.
ولأجل ذلك ترى أنّ الخطاب الإلهي في هذه السورة مخصّص وموجّه إلى النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم والّذين آمنوا خاصة دون الفئتين الآخريتين ، قال تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ...) (٢) فخصّ ألفة القلوب والمساعدة على النصر والخطاب بالجهاد بالمؤمنين دون الفئتين الأخريين ، فكيف يتوهّم بأنّ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) (٣) شامل للمنافقين والّذين في قلوبهم مرض ممّن كان في ركب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في غزوة بدر؟!
وفي هذه السورة آيات أخرى ، وهي قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ* وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
__________________
(١). الأنفال / ٥٠ و ٥١.
(٢). الأنفال / ٦٢ ـ ٦٥.
(٣). الأنفال / ٧٤.