أما من عرف ذلك فلا يزيده ذلك إلا إيمانا وتصديقا بالحق وثباتا على الهدى ، ثم إنا نجيب عنه أولا ، بأن الاستدلال بالإجماع لا يكاد يتحقق ، لأن معرفته على الوجه الذي يتحقق حجته غير ممكنة عادة ، كما أشار إليه الإمام في كتاب (المحصول في الأصول) وما ذكر من استثناء زمن الصحابة قلت : هذا غير مسلّم لقيام ما ذكره فيه من الاحتمال بعينه وقد حققناه في الأصول ، هذا بالنسبة إلى المسائل الشرعية الظنية فكيف بالمسائل التي هي أصول من عمد الأديان وعلامة الإيمان (١).
وثانيا : بأن الإجماع ممنوع (٢) بل محقق العدم ، لأنهم إن أرادوا به حصول الاتفاق بعد النبي صلىاللهعليهوآله بلا فصل ، أو في زمن قليل ، فهو معلوم البطلان بالاتفاق ، وإن أرادوا بعده تطويل المدة ، فهو وإن كان ممنوعا أيضا إلا أنه لا يقوم حجة إلا إذا دخل الباقون طوعا. أما إذا استظهر الأكثر ، وخاف الأقل ، ودخل فيما دخل فيه الأكثر خوفا وكرها ، ولا شك أن الحال كان كذلك ، فإن بني هاشم لم يبايعوا ثم قهروا فبايعوا وامتنع علي عليهالسلام ، ولزم بيته ولم يخرج إليهم في جمعة ولا جماعة (٣) الى أن وقع ما وقع مما نقله أهل الأخبار والأحاديث واشتهر كالشمس
__________________
(١) المحصول في الأصول للإمام الفخر الرازي ، باب الإجماع.
(٢) الإجماع ممنوع لعدة أسباب أن أبا بكر صرح بأن بيعته لم تكن عن مشورة ولا عن روية ، وذلك حيث خطب الناس في أوائل خلافته معتذرا إليهم ، فقال : إن بيعتي فلتة وقى الله شرها ، وخشيت الفتنة. راجع الخطبة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ / ٤٧ ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل ، وعمر يشهد بذلك على رءوس الأشهاد في خطبة خطبها على المنبر النبوي يوم الجمعة في أواخر خلافته وقد طارت كل مطير ، أنظر الخطبة في صحيح البخاري كتاب الحدود ـ باب رجم الحبلى من الزنا اذا أحصنت ج ٨ / ٢٠٨ ط محمد علي صبيح ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٣٢٧ ، الغدير ٥ / ٣٧٠.
(٣) المتخلفون عن بيعة أبي بكر هم : العباس بن عبد المطلب ، عتبة بن أبي لهب ، سلمان الفارسي ، أبو ذر الغفاري ، عمار بن ياسر ، المقداد ، البراء بن عازب ، أبي بن كعب ، سعد بن أبي وقاص ، طلحة بن عبيد الله ، الزبير بن العوام ، خزيمة بن ثابت ، فروة بن عمرو الأنصاري ، خالد بن سعيد بن العاص الأموي ، سعد بن عبادة الأنصاري لم يبايع حتى توفي بالشام في خلافة عمر ، الفضل بن عباس.