عليا أن يدخل شاة فأدمها ، ثم قال : ادنوا بسم الله ، فدعا القوم عشرة عشرة ، فاكلوا حتى صدوا ، ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ، ثم قال : اشربوا بسم الله ، فشربوا حتى رووا فبدرهم (١) أبو لهب ، فقال : هذا سحركم به الرجل ، فسكت النبي صلىاللهعليهوآله يومئذ ولم يتكلم. ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك الطعام والشراب ، ثم أنذرهم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : يا بني عبد المطلب أنا النذير إليكم من الله عزوجل والمبشر بما لم يجئ به أحد منكم بالدنيا والآخرة ، فأسلموا وأطيعوني تهتدوا ، فمن هو أخي ويؤازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي ويقضي ديني؟ فسكت القوم ، وقال علي : أنا ، فقال : أنت. فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب : أطع ابنك فقد أمر عليك (٢).
قلت : ولهذا الحديث شأن عجيب يعرفه من عرف حكم أبي بكر لعلي عليهالسلام على العباس يوم اختصامهما إليه ، حيث أتيا إلى أبي بكر فقال : أبو بكر كفاكم القصير والطويل ، وقال للعباس : لا تنازع عليا فان الحق معه وقد نهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن منازعته ، وقال : للعباس ألم تحضر يوم الدار إذ أوصى النبي به يوم كنا فيها ونهى عن منازعته ، فقال له العباس : ألم تك أنت حاضرا أيضا فلم نازعته الخلافة ، فأفحم وخرجا عنه (٣).
__________________
(١) فبدرهم ، من بادر ، المبادرة.
(٢) تفسير الثعلبي (مخطوط) ، ولقد سجل المؤرخون والمفسرون هذه القضية التاريخية الخالدة في كتبهم وتفاسيرهم وصحاحهم وأليك اسماء بعضها : تفسير المنير لمعالم التنزيل للجاوي ٢ / ١١٨ ط ٣ مصطفى الحلبي ، وتفسير الخازن لعلاء الدين الشافعي ٣ / ٣٧١ و ٣٩٠ ط مصر ، تفسير الطبري (ط بولاق) ١٩ / ٧٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢١٦ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٢٢ ، مسند أحمد بن حنبل ١ / ١١ / ١٥٩ و ٣٣١ في ضمن حديث ابن عباس ، مستدرك الصحيحين للحاكم ٣ / ١٣٢ ، ولشهرة هذا الحديث ذكره عدة من الافرنج في كتبهم الفرنسية والانكليزية والألمانية واختصره توماس كاوليل في كتابه : الأبطال كما في المراجعات للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين.
(٣) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ١ / ٧٣.