الثالث : أن يسأل ويطلب ويتبيّن له الهدى ، ويترك تعصّباً أو معاداةً لأصحابه ، فهذا أقلّ درجاته أن يكون فاسقاً ، وتكفيره محلّ اجتهاد (١) ، انتهى كلامه.
فانظره وتأمّله ، فقد ذكر هذا التفصيل في غالب كتبه ، وذكر أن الأئمّة وأهل السُنّة لا يكفّرونهم.
هذا مع ما وصفهم به من الشرك الأكبر ، والكفر الأكبر ، وبيّن في غالب كتبه مخازيهم ، ولنذكر من كلامه طرفاً ، تصديقاً لما ذكرناه عنه.
وقال رحمهالله تعالى في (المدارج) (٢) : المثبتون للصانع نوعان :
أحدهما : أهل الإشراك به في ربوبيّته وإلهيّته ، كالمجوس ومن ضاهاهم من القَدَريّة ، فإنّهم يثبتون مع الله إلهاً آخر.
والقَدَريّة المجوسيّة تثبت مع الله خالقين للأفعال ، ليست أفعالهم مخلوقةً لله ، ولا مقدورةً له ، وهي صادرةٌ بغير مشيئته تعالى وقدرته ، ولا قدرة له عليها ، بل هم الذين جعلوا أنفسهم فاعلين ، مريدين ، شيّائين.
وحقيقة قول هؤلاء : أنّ الله ليس ربّاً خالقاً لأفعال الحيوان ، انتهى كلامه.
وقد ذكرهم بهذا الشرك في سائر كتبه ، وشبّههم بالمجوس الذين يقولون : إنّ للعالَم خالقَيْن.
وانظر لمّا تكلّم على التكفير هو وشيخه ، كيف حَكَوا عدم تكفيرهم عن جميع
__________________
(١) يلاحظ على هذا أنّ الحكم بالكفر ، المستوجب لأحكام مثل الارتداد الذي حدّه القتل والفراق من المسلمين ، والخروج من الأموال ، لا يمكن أن يبنى على أمرٍ ظنّي مثل الاجتهاد ، لما في الدماء والاعراض والأموال من الحرمة عند الله ، ممّا لا يمكن الخروج من عهدته إلّا بدليل قطعي. والله الموفق. انظر ما يأتي ص ٥٩ وبعدها.
(٢) مدارج السالكين : ١ / ٨٥.