الانعدام بالكلية ، بل الجواب أن المعلوم بالأدلة هو أن الله يوصل الجزاء إلى المستحق ولا دلالة على أنا نعلم ذلك بالإيصال البتة ، وكفى بالله عليما. ولو سلم ، فلعل الله يخلق علما ضروريا ، أو طريقا جليا جزئيا أو كليا.
الثاني ـ وهو للمعتزلة أن فعل الحكيم لا بد أن يكون لغرض لامتناع العبث عليه ، ولا يتصور له غرض في الإعدام إذ لا منفعة فيه لأحد ، لأنها إنما تكون مع الوجود ، بل الحياة. وليس أيضا جزاء المستحق كالعذاب والسؤال والحساب ، ونحو ذلك ، وهذا ظاهر. ورد بمنع انحصار الغرض في المنفعة والجزاء ، فلعل لله تعالى في ذلك حكما ومصالح لا يعلمها غيره. على أن في الإخبار بالإعدام لطفا للمكلفين ، وإظهارا لغاية العظمة والاستغناء ، والتفرد بالدوام والبقاء ، ثم الإعدام تحقيق لذلك وتصديق ، وقد يورد الوجهان على طريق تفريق الأجزاء ، أما الثاني فظاهر ، وأما الأول فلانعدام التأليف والهيئات التي بها التمايز. فإما أن تمتنع الإعادة ، أو يلتبس المعاد بالمثل. ويجاب بأنه يجوز أن لا تنعدم الصفات التي بها التمايز كاختصاص الجواهر بما لها من الجهات مثلا ، ولو سلم فالمستحق هو تلك الجواهر الموصوفة الباقية ، لا مجموع الجواهر والصفات والتعينات ، كما إذا جنى وهو شاب سمين سليم الأعضاء ، واقتص منه حين صار هرما عجيفا ساقط الأعضاء ، وعن الثاني بأن في التفريق منفعة الاعتبار ، وإمكان اللذة والألم على طريق الجزاء.
الثالث ـ النصوص الدالة على كون النشور بالإحياء بعد الموت ، والجمع بعد التفرق لا الإيجاد ، وبعد العدم كقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) (١) الآية وكقوله : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) (٢) إلى قوله : (ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) (٣).
__________________
(١) سورة البقرة آية رقم ٢٦٠.
(٢) سورة البقرة آية رقم ٢٥٥.
(٣) سورة البقرة آية رقم ٢٥٩.