والجواب ـ ان غايتها عدم الدلالة على الإعدام لكونها مسوقة لبيان الإحياء والجمع. ثم هي معارضة بآيات تشعر بالفناء كما سبق).
وهم القائلون بأن حشر الأجساد إنما هو بالجمع بعد التفريق ، لا بالإيجاد بعد لانعدام بوجوه :
الأول ـ أنه لو عدمت الأجساد لما كان الجزاء واصلا إلى مستحقه. واللازم باطل سمعا عندنا بالنصوص الواردة في أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا. وعقلا عند المعتزلة لما سبق من وجود ثواب المطيع ، وعقاب العاصي ، بيان اللزوم أن المعاد لا يكون هو المبدأ بل مثله ، لامتناع إعادة المعدوم بعينه.
ورد بالمنع ، وقد مر بيان ضعف أدلته ، ولو سلم فلا يقوم على من يقول ببقاء الروح والأجزاء الأصلية وإعدام البواقي ، ثم إيجادها إن لم يكن الثاني هو الأول بعينه ، بل مغايرا له في صفة الابتداء والإعادة ، أو باعتبار آخر. ولا شك أن العمدة (١) في الاستحقاق هو الروح على ما مر. وقد يقرر بأنها لو عدمت لما علم إيصال الجزاء إلى مستحقه ، لأنه لا يعلم أن ذلك المحشور هو الأول أعيد بعينه ، أم مثل له خلق على صفته؟ أما على تقدير الفناء بالكلية (٢) فظاهر ، وأما على تقدير بقاء الروح والأجزاء الأصلية فلانعدام التركيب والهيئات والصفات التي بها تمايز المثلين ، سيما على قول من يجعل الروح (٣) أيضا من قبيل الأجسام. واللازم منتف لأن الأدلة قائمة على وصول الجزاء إلى المستحق ، لا يقال : لعل الله تعالى يحفظ الروح والأجزاء الأصلية عن التفرق والانحلال ، بل الحكمة يقتضي ذلك ليعلم وصول الحق إلى المستحق ، لأنا نقول : المقصود إبطال رأي من يقول بفناء الأجساد بجميع الأجزاء ، بل أجسام العالم بأسرها ، ثم الإيجاد ، وقد حصل ، ولو سلم ، فقد علمت أن العمدة في الحشر هو الأجزاء الأصلية لا الفضلية ، وقد سلمتم أنها لا تفرق ، فضلا عن
__________________
(١) في (ب) الأصل بدلا من (العمدة).
(٢) سقط من (ب) لفظ (بالكلية).
(٣) الروح الإنساني : هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان الراكبة على الروح الحيواني نازل من عالم الأمر تعجز العقول عن إدراك كنهه ، وتلك الروح قد تكون مجردة ، وقد تكون منطبقة في البدن قال تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي).