وأجيب بالمنع ، بل هو خروج الشيء عن الصفة التي ينتفع به عندها كما يقال : فني زاد القوم وفني الطعام والشراب ولهذا يستعمل في الموت مثل : أفناهم الحرب. وقيل معنى الآية كل من على وجه الأرض من الأحياء فهو ميت.
قال الإمام الرازي (١) : ولو سلم كون الهلاك والفناء بمعنى العدم ، فلا بد في الآيتين من تأويل ، إذ لو حملتا على ظاهرهما ، لزم كون الكل هالكا فانيا في الحال ، وليس كذلك. وليس التأويل بكونه آئلا إلى العدم على ما ذكرتم أولى من التأويل بكونه قابلا له ، وهذا منه إشارة إلى ما اتفق عليه أئمة العربية من كون اسم الفاعل ونحوه مجازا في الاستقبال ، وأنه لا بد من الاتصاف بالمعنى المشتق منه : وإنما الخلاف في أنه هل يشترط بقاء ذلك المعنى؟ وقد توهم صاحب التلخيص أنه كالمضارع مشترك بين الحال والاستقبال. فاعترض بأن حمله على الاستقبال ليس تأويلا وصرفا عن الظاهر.
قال : احتج الآخرون.
(احتج الآخرون بوجوه :
الأول ـ أن المعاد بعد العدم ليس هو المبتدأ بعينه ، فلا يكون الجزاء واصلا إلى مستحقه ، وقد عرفت ضعفه.
الثاني ـ وهو المعتزلة ، أنه لا يتصور في الإعدام غرض ، إذ لا منفعة فيه لأحد ، ولا يصلح جزاء الفعل.
وأجيب بأن من الغرض اللطف للمكلف ، وإظهار العظمة والاستغناء ، والتفرد بالدوام والبقاء.
الثالث ـ الآيات المشعرة بأن النشور بالإحياء بعد الموت ، والجمع بعد التفرق : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) (٢) (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) (٣) (كَذلِكَ النُّشُورُ) (٤) (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) (٥) إلى غير ذلك.
__________________
(١) سبق الترجمة له في كلمة وافية في هذا الجزء.
(٢) سورة البقرة آية رقم ٢٦٠.
(٣) سورة البقرة آية رقم ٢٥٩.
(٤) سورة فاطر آية رقم ٩.
(٥) سورة الروم آية رقم ١٩.